تتولى «تاكايئتشي» مهامها خلفًا لرئيس الوزراء السابق «شيغيرو إيشيبا»، بعد ثلاثة أشهر من الفراغ السياسي، في وقت تواجه فيه حكومة طوكيو أغلبية برلمانية هشة وتحديات داخلية معقدة تشمل تباطؤ النمو الاقتصادي، والعلاقات مع الولايات المتحدة، وتراجع الثقة في الطبقة السياسية الحاكمة.
ورغم أن تحالف الحزب الليبرالي الديمقراطي (الحاكم منذ عقود) مع حزب الابتكار الياباني اليميني في «أوساكا» مكّن «تاكايئتشي» من الوصول إلى رئاسة الوزراء، إلا أن التحالف لا يملك حتى الآن أغلبية مريحة في مجلسَي البرلمان، ما ينذر بمرحلة سياسية تتسم بعدم الاستقرار وصعوبات في تمرير القوانين والإصلاحات.
من هي ساناي تاكايئتشي
في يوليو 2022، عقب اغتيال رئيس الوزراء الياباني الأسبق «شينزو آبي»، كتبت «ساناي تاكايئتشي» على وسائل التواصل الاجتماعي: «من اليوم يجب أن أعمل بجد، وإلا فسأضطر إلى الاعتذار له». كانت آنذاك من أبرز المقربين من «آبي» وتنتمي إلى تياره داخل «الحزب الليبرالي الديمقراطي الحاكم» (PLD). وقد شغلَت مناصب وزارية عدة في حكوماته، وعبّرت بتلك العبارة عن امتنانها له لدعمه مسيرتها السياسية.
وبعد أكثر من ثلاث سنوات، وفي بلدٍ يُعرف بكونه من أكثر المجتمعات ذكوريةً في آسيا، أصبحت «تاكايئتشي» أول امرأة تتولى منصب رئاسة الوزراء في اليابان.
تبلغ تاكايئتشي 64 عامًا، وتُعرف بمواقفها المحافظة والمتشددة. وقد تولّت المنصب في وقتٍ صعب يشهد فيه الحزب الحاكم تراجعًا في شعبيته، بعدما فقد أغلبيته في مجلسي البرلمان للمرة الأولى منذ عقود. وجاء انتخابها بعد استقالة رئيس الوزراء السابق شيغيرو إيشيبا في سبتمبر الماضي.
ستواجه تاكايئتشي جملة من التحديات الكبرى، أبرزها ارتفاع معدلات التضخم وضعف الين الياباني، إضافة إلى الأزمة الديموغرافية الحادة، إذ يُعد اليابان من أكثر دول العالم شيخوخةً بمتوسط أعمار يتجاوز 45 عامًا. كما يتعين عليها التعامل مع تنامي الخطاب المعادي للمهاجرين وصعود الأحزاب الشعبوية واليمينية المتطرفة، فضلًا عن إدارة العلاقة الحساسة مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي من المقرر أن يزور طوكيو خلال أيام وسط تهديداته المتكررة بفرض رسوم جمركية جديدة.
وُلدت تاكايئتشي في إقليم نارا، العاصمة الإمبراطورية القديمة التي تشتهر بسياحتها وقطعان الأيائل التي تتجول في شوارعها. انتُخبت لأول مرة في البرلمان عام 1993، ومنذ ذلك الحين شغلت مناصب وزارية متعددة، متأثرة بأفكار معلمها السياسي شينزو آبي، الذي جمعتها به علاقة وثيقة على المستويين الشخصي والسياسي.
وكما كان يفعل آبي، تدعو تاكايئتشي إلى زيادة الإنفاق الحكومي وخفض الضرائب، وتؤيد تعديل المادة التاسعة من الدستور الياباني، التي صاغتها سلطات الاحتلال الأمريكي بعد الحرب العالمية الثانية وتحظر على اليابان امتلاك جيش هجومي. ويعدّ هذا التعديل من أهداف التيار القومي المحافظ، رغم الجدل الواسع الذي يثيره داخل البلاد وخارجها. كما زارت تاكايئتشي مرارًا معبد ياسوكوني المثير للجدل في طوكيو، المكرّس لذكرى الجنود اليابانيين، بينهم مرتكبو جرائم حرب في الحرب العالمية الثانية، وإن كانت قد تجنبت زيارته خلال حملتها الانتخابية الأخيرة.
تتبنى تاكايئتشي موقفًا صارمًا تجاه الصين، وتؤكد رغبتها في تعزيز التحالف مع تايوان، التي تعتبرها بكين جزءًا من أراضيها. كما أعلنت نيتها تشديد قوانين الهجرة، وأثارت الجدل بتصريحاتها التي انتقدت السياح الأجانب، متهمة بعضهم – من دون أدلة – بـ«ركل الأيائل» في نارا، ما تسبب في موجة انتقادات داخلية.
بعيدًا عن السياسة، تُعرف تاكايئتشي بشغفها بموسيقى الهيفي ميتال، وتعزف الطبول منذ شبابها. وهي من المعجبات برئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارغريت تاتشر، التي تستلهم منها نهجها في القيادة، حتى إنها غالبًا ما تظهر في المناسبات الرسمية مرتدية بدلة زرقاء على غرار تاتشر.
وفي ما يتعلق بقضايا المساواة بين الجنسين وحقوق مجتمع الميم (LGBT+)، تتبنى تاكايئتشي مواقف محافظة؛ فهي تعارض زواج المثليين، ورفضت السماح للأزواج باستخدام ألقاب عائلية مختلفة، كما ترفض تعديل القانون الإمبراطوري لعام 1947 الذي يحصر وراثة العرش بالذكور فقط، رغم المخاوف المتزايدة من ندرة الورثة الذكور في العائلة الإمبراطورية.
قبل اختيارها رئيسةً للوزراء، صرّحت بأنها تنوي زيادة عدد النساء في حكومتها إلى "مستويات دول الشمال الأوروبي"، أي نحو %50 (وهو أمر شائع في الدول الاسكندنافية)، لكنها انتقدت فكرة تطبيق نظام الحصص الجندرية: ففي النهاية، عيّنت امرأتين فقط من أصل 19 وزيرًا. حتى في حكومة إيشيبا المنتهية ولايتها، لم يكن هناك سوى امرأتين، وفي الانتخابات الأخيرة التي أُجريت في أكتوبر 2024، انتُخبت 73 امرأة من أصل 465 عضوًا في مجلس النواب (أعلى سلطة في البرلمان): أي بنسبة %16، لكنها لا تزال أعلى نسبة على الإطلاق.
ورغم كونها أول امرأة في تاريخ اليابان تتولى رئاسة الوزراء، يرى كثيرون أن انتخابها لا يعني بالضرورة تقدمًا حقيقيًا في قضايا المساواة. فقد قالت أستاذة العلوم السياسية بجامعة صوفيا في طوكيو ماري ميورا لصحيفة نيويورك تايمز: «سقف الزجاج لم يُكسر بعد... فقط حدث فيه ثقب صغير»، في إشارة إلى أن وصول تاكايئتشي إلى المنصب خطوة رمزية أكثر منها ثورية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق