الإيطالية نيوز، الجمعة 14 نوفمبر 2025 – بعد أن أحالت الولايات المتَّحدة عمليًا عبء الحرب في أوكرانيا إلى القارَّة الأوروبية، بدأت المفوضية الأوروبية في البحث عن آليات اقتصادية ومالية جديدة لدعم كييف، في وقت يجد فيه البلد المنهَك نفسه في وضع صعب على جبهات القتال، إضافة إلى الفضيحة المرتبطة بالفساد في قطاع الطاقة والتي طالت عددًا من الوزراء البارزين في الحكومة الأوكرانية.
وفي هذا السياق المعقَّد، تستكشف السُّلطة التنفيذية في بروكسل مختلف الخيارات الممكنة لضمان قدرة أوكرانيا على الصمود، بما في ذلك استخدام الأصول الروسية المجمَّدة. وإلى جانب هذا المسار، أبرم الاتحاد الأوروبي اتِّفاقًا مع شركة الطاقة الأوكرانية «نافطوغاز» لتخصيص مئات ملايين اليوروهات بهدف ضمان إمدادات الغاز الطبيعي للبلاد خلال الحرب.
كما تعهَّدت الدول الاسكندنافية بشكل مشترك بتقديم حزمة من المعدَّات العسكرية والذخائر إلى أوكرانيا بقيمة 500 مليون دولار، وفقًا لما جرى إقراره في إطار حلف شمال الأطلسي (الناتو).
وحظيت فكرة استخدام الأصول الروسية المجمَّدة لدعم أوكرانيا اقتصاديًا وعسكريًا بموافقة جميع وزراء المالية في الاتحاد الأوروبي أمس، باعتبارها خطوة تتيح تجنُّب زيادة ديون الدول الأوروبية، وفي الوقت نفسه قد تُوفِّر لكييف ما يصل إلى 140 مليار يورو خلال عامين، وهي قيمة تُغطِّي احتياجاتها المالية الأساسية.
ومع ذلك، فأنَّ هذه الآلية ليست فورية ولا سهلة التنفيذ، إذ قد تثير إشكالات قانونية. فمعظم الأصول الروسية المجمَّدة في أوروبا مودعة لدى مؤسَّسة «يوركلير» البلجيكية لحفظ الأوراق المالية، وتخشى بلجيكا أن تُحمَّل المسؤولية في حال رفعت روسيا دعوى قضائية ضد الشركة وربحتها. ولهذا السَّبب، طلبت بروكسل أن تلتزم حكومات الاتحاد الأوروبي بتأمين المبالغ اللَّازمة لتعويض موسكو في غضون ثلاثة أيام إذا قضت محكمة بضرورة إعادة تلك الأصول.
من جهته، أعلن الكرملين عن أنَّ استخدام أصول روسية مجمَّدة يُعتبَر «استيلاءً غير قانوني على الممتلكات»، مؤكِّدًا أنه سيردُّ على ذلك، من دون الخوض في تفاصيل إضافية.
وتحمل الآلية المقترحة اسم «قرض لأغراض التعويضات»، وتقضي بأن يستبدل الاتحاد الأوروبي الأموال الروسية المجمَّدة في حسابات «يوركلير» بسندات أوروبية مصنّفة AAA ومن دون فوائد، تصدرها المفوضية الأوروبية. وبعد ذلك يُحوَّل المال إلى كييف، على أن تلتزم بسداده فقط في حال تلقَّت—وهو احتمال يُعتبر ضعيفًا للغاية—تعويضات حرب من روسيا.
وقالت وزيرة الاقتصاد الدنماركية «استيفاني لوزه» إنَّ «مقترح المفوضية هو الخيار الأفضل والأكثر واقعية، ويجب التعامل معه بأعلى درجات الأولوية». ووافقتها الموقف وزيرة المالية الفنلندية «ريكا بورّا»، التي شدَّدت على أنَّه «الخيار الوحيد القادر على توفير القوة المالية اللَّازمة من دون زيادة الضَّغط على موازناتنا الوطنية».
وعلى صعيد التجهيزات العسكرية والموارد الطاقية، طُرحت مبادرتان إضافيتان، بينها مبادرة «PURL» (قائمة الاحتياجات ذات الأولوية لأوكرانيا) التابعة لحلف شمال الأطلسي. وقد أُطلقت هذه المبادرة في يوليو الماضي من قبل الأمين العام للناتو «مارك روتّه»، ورئيس الولايات المتحدة «دونالد ترامب»، عقب انتقادات من الإدارة الأميركية مفادها أنَّ الدول الأوروبية لا تتحمَّل ما يكفي من المسؤوليات لضمان أمن أوكرانيا.
وتتضمَّن المبادرة حُزمة من الذخائر والمعدَّات العسكرية بقيمة 500 مليون دولار. إلَّا أنَّ العنصر الأبرز فيها هو أنَّ هذه المعدَّات — رغم تقديمها من الدنمارك وإستونيا وفنلندا وآيسلندا ولاتفيا وليتوانيا والنرويج والسويد — ستأتي في الواقع من الولايات المتحدة، التي، بعد أن أحالت ملف أوكرانيا إلى القارّة الأوروبية، ستستفيد أيضًا من عوائد بيع الأسلحة.
وعلى جبهة الطاقة، وقَّعت أبرز المصارف الإنمائية الأوروبية وشركة الطاقة الأوكرانية «نافطوغاز» يوم الخميس اتِّفاقًا لتخصيص مئات ملايين اليوروهات، بهدف ضمان إمدادات الغاز الطبيعي لأوكرانيا وإتاحة بناء البنى التحتية الأساسية. وأعلنت «بنك الاستثمار الأوروبي» (EIB) أنَّ منحة من الاتحاد الأوروبي ستُوفِّر تمويلًا إضافيًا بقيمة 127 مليون يورو لصالـح «نافطوغاز»، تضاف إلى قرض بقيمة 300 مليون يورو جرى الإعلان عنه الشهر الماضي.
ومن المقرر تخصيص 25 مليون يورو لتحسين أنظمة معالجة مياه الشرب والمياه العادمة في أوكرانيا، فيما خُصِّص 50 مليون يورو لدعم قرض مُوجَّه لإعادة بناء المساكن الاجتماعية.
ويأتي ذلك كلّه في الوقت الذي تواجه فيه أوكرانيا فضيحة فساد واسعة النطاق تطال قطاع الطاقة، تَمثَّلت في مخطَّط يُشتبه بأنَّه بقيمة 100 مليون دولار للسيطرة على عقود الوكالة النووية «إنيرغوأتوم» وشركات حكومية أخرى. وتزامنت اتِّهامات الرشوة في قطاع الطاقة مع معاناة السكَّان من انقطاعات كهرباء يومية نتيجة الهجمات الروسية المكثَّفة على البنية التحتية، ما قد يُبعد المانحين الذين قدَّموا مساعدات لقطاع الطاقة الأوكراني المتعثِّر.
وتُظهر تحرُّكات الاتحاد الأوروبي لدعم كييف كيف أنَّ الولايات المتحدة قد حَمَّلت أوروبا بشكل نهائي عبء الملف الأوكراني، لتتحوَّل هذه الأخيرة (اوروبا/دول الاتحاد الاوروبي) إلى ملحَق لواشنطن ومضطرَّة لتحمُّل تكاليف الدفاع عن أوكرانيا في لحظة تُبدي فيها اقتصاداتها مؤشِّرات واضحة على التباطؤ والضعف. وفي المقابل، تواصل القوة ما وراء الأطلسي (واشنطن) بيع الأسلحة والغاز للقارة العجوز، التي تجد نفسها مجبَرةً على ابتكار سبل متجدِّدة لتمويل كييف من دون زيادة الأعباء على ميزانياتها الوطنية المتهالكة أصلًا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق