ووفق بيان صادر عن اليونيفيل، فإن الطلقات أُطلقت من موقع إسرائيلي موجّه مباشرة نحو مرصد تابع للأمم المتحدة في القطاع الجنوبي الإسباني قرب بلدة الخيام. وأصاب رصاص من عيار ثقيل مسافة لا تتجاوز خمسة أمتار من الموقع، ما اضطر الطاقم إلى الاحتماء. وطلبت قوات الأمم المتحدة من الجيش الإسرائيلي وقف إطلاق النار، وتمكّن عناصرها من الانسحاب بأمان بعد نحو نصف ساعة، عقب ابتعاد الدبابة. ولم تُسجل إصابات، إلا أن الحادث يشكّل—بحسب البعثة—انتهاكًا خطيرًا لقواعد الاشتباك وللقرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن، الذي يشكّل أساسًا هشًا لتنظيم الوضع على طول خط الانسحاب.
وأكد الجيش الإسرائيلي وجود الدبابة وإطلاق النار، زاعمًا أن الرؤية كانت متدهورة بفعل الطقس، وأن الوحدة أخطأت في التعرّف إلى برج المراقبة الأممي واعتقدته موقعًا مشبوهًا بعدما رصدت “شخصين مشتبهًا بهما” في منطقة حاميس. لكن اليونيفيل رفضت هذه الرواية، مؤكدة أن الموقع كان مُعلّمًا بوضوح ويمكن تمييزه حتى في ظروف جوية سيئة، وطالبت بتحقيق شامل، مع التشديد على ضرورة التزام إسرائيل بمسؤوليتها تجاه أمن قوات حفظ السلام.
الحادث الجديد أثار قلقًا دوليًا فوريًا وسط مخاوف من تدهور متسارع للوضع على الحدود. فالمنطقة تشهد منذ أسابيع تبادلًا للقصف المدفعي وضربات دقيقة وعمليات مراقبة متصاعدة الحدة. وتترافق هذه الأوضاع مع صعوبات تواجهها اليونيفيل في تطبيق وقف إطلاق النار الذي بات، وفق مراقبين، شبه نظري.
وقبل أيام قليلة، كانت بيروت قد جدّدت تحذيرها العلني من أن الانتهاكات الإسرائيلية تهدد الاستقرار في الجنوب. وأكد المندوب اللبناني الدائم لدى الأمم المتحدة، أحمد عرفة، أن هذه الممارسات تقوّض السيادة اللبنانية وتعرقل جهود السلطات الوطنية لبسط سلطة الدولة وتقليص نفوذ المجموعات المسلحة. كما أشار تقرير للجيش اللبناني، قدّمه إلى الحكومة، إلى تسجيل أكثر من سبعة آلاف خرق جوي منذ وقف إطلاق النار السابق، واصفًا هذه الهجمات بأنها “انتهاك صارخ للقانون الدولي”.
ومنذ تجدّد الأزمة الإقليمية في خريف 2023، وثّقت اليونيفيل سلسلة حوادث مماثلة. وفي عام 2024، سُجّلت حالات عدة من إطلاق النار المباشر على دوريات وقواعد تابعة للأمم المتحدة، بينها إصابات ناتجة عن طلقات مدرعات إسرائيلية قرب الناقورة. أما في عام 2025، فقد تدهور الوضع أكثر، إذ ألقى طائرات مسيّرة إسرائيلية ذخائر قرب مواقع القبعات الزرق، فيما استهدفت المدفعية والآليات المدرّعة مرارًا مناطق كان يعمل فيها المراقبون الدوليون. وفي كل الحالات، عزت إسرائيل هذه الحوادث إلى “أخطاء تقدير” أو “ظروف بيئية”، مبررات اعتبرتها الأمم المتحدة غير كافية وغير مقنعة.
وتشير البيانات المتراكمة خلال العامين الماضيين إلى تزايد ثابت في حجم الانتهاكات وإلى تضييق متواصل للمجال العملياتي لليونيفيل. وفي 14 نوفمبر، أعلنت البعثة أنها أجرت تحقيقًا جغرافيًا كشف عن إقامة جدار إسمنتي من قبل الجيش الإسرائيلي في منطقة يارون، مؤكدة أن الجدار يتجاوز الخط الأزرق ويقتطع أكثر من أربعة آلاف متر مربع من الأراضي اللبنانية. ورغم مطالب الأمم المتحدة بالتوقف عن البناء، استمرت إسرائيل—بحسب البعثة—في تشييد أجزاء إضافية خلال نوفمبر، متعديةً مرة أخرى الأراضي اللبنانية.
ويأتي حادث الأمس في سياق سلسلة من الهجمات والانتهاكات المتصاعدة التي تهدد بتقويض الدور الحيوي الذي تؤديه اليونيفيل في واحد من أكثر خطوط التماس هشاشة في الشرق الأوسط.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق