وتطالب المسودَّة الأوروبية، التي تلغي أربع نقاط من الخطة الأمريكية، بضمان السلامة الإقليمية لأوكرانيا وتوفير ضمانات أمنية موازية للمادَّة الخامسة من حلف شمال الأطلسي، فضلًا عن إبقاء الباب مفتوحًا أمام انضمام كييف إلى الحلف.
من جهته، وصف وزير الخارجية الأمريكي «ماركو روبيو» الاجتماع بأنه «الأكثر إنتاجية حتّى الآن»، معربًا عن أمله في «إغلاق الملف بحلول يوم الخميس»، وهو الموعد النهائي الذي حدَّده الرئيس «دونالد ترامب».
وتشير تقارير إلى أنّ رئيسة الوزراء الإيطالية «جورجا ميلوني» — التي تواصل جهود الوساطة من «جوهانسبرغ» — أكَّدت على وجود «استعداد» لدى «ترامب» لمراجعة الخطَّة بما يراعي المصالح الوطنية الأوكرانية.
وقد صيغت المقترحات الأوروبية المضادَّة، التي شاركت فيها فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة والمفوضية الأوروبية، على أساس مبدأ السيادة الأوكرانية منذ مادَّتها الأولى. وتُعدِّل المسودَّة الاتِّجاه الأمريكي في ما يتَّصل بالتنازلات الإقليمية وضمانات الأمن؛ إذ لا تستبعد انضمام أوكرانيا إلى الحلف الأطلسي، لكنَّه يبقى مرهونًا بتوافق الحلفاء، فيما تحصل كييف على ضمانات أمنية مُلزِمة قانونيًا على غرار المادَّة الخامسة من ميثاق «الناتو».
وتنصُّ المسودَّة على أن تبدأ المفاوضات بشأن الحدود من «خط التماس» بديلًا عن القبول الواقعي بسيطرة روسيا على بعض المناطق، وهو ما يعني نفي الاعتراف بمكاسب موسكو الإقليمية منذ 2014. كما تُشدِّد على أنَّ الملفات الإقليمية لن تُطرَح للنقاش أو التسوية إلَّا بعد التوصُّل إلى وقف شامل وغير مشروط لإطلاق النار.
وتقترح الوثيقة إعادة تشكيل حجم القوات الأوكرانية ليصل إلى 800 ألف جندي — بزيادة 200 ألف عن الخطة الأمريكية — مع التوضيح بأنَّ هذا العدد يخصُّ «زمن السلم». وتؤكِّد أيضًا على أنّ أوكرانيا ستُصبح عضوًا في «الاتحاد الأوروبي».
أمَّا العقوبات على روسيا، فتشير المسودَّة إلى إمكان تخفيفها تدريجيًا عقب إرساء سلام مستدام، مع الاحتفاظ بحق إعادة فرضها في حال خرق الاتفاقات، واستخدام الأصول السيادية الروسية المجمَّدة كأداة لتعويض كييف.
كما تدعو إلى إنشاء آلية دولية لمراقبة وقف إطلاق النار بقيادة الولايات المتحدة وبمشاركة شركاء أوكرانيا، تُنفَّذ في معظمها عن بُعد باستخدام الأقمار الصناعية والطائرات المسيّرة وتقنيات أخرى. وستستعيد أوكرانيا السيطرة على محطة «زابوريجيا» النووية وسدّ «كاخوفكا».
وتلزم الخطة روسيا بإعادة جميع الأطفال الأوكرانيين الذين نُقلوا بصورة غير قانونية، مع اتفاق الأطراف المتحاربة على تبادل شامل لأسرى الحرب وفقًا لمبدأ «الجميع مقابل الجميع»، إضافةً إلى إفراج موسكو عن جميع المعتقلين المدنيين.
وقال «روبيو» في مؤتمر صحفي إنه «متفائل للغاية»، مؤكِّدًا أنَّ «أيًا من القضايا العالقة ليس عصيًّا على الحل»، لافتًا إلى أن فريق المفاوضين الأمريكيين أعدّ بالفعل إطارًا «مُحَدَّثًا ومحسَّنًا» لخطة السلام عقب محادثات «جنيف»، بعد إدخال «بعض التعديلات». وكرَّر «أندري يرماك»، مدير مكتب الرئاسة الأوكرانية، الموقف ذاته، مشيرًا إلى أن اجتماع الأحد كان «مثمِرًا للغاية».
وعبر شبكات التواصل الاجتماعي، توجّه الرئيس «فولوديمير زيلينسكي» بالشكر إلى أوروبا والولايات المتحدة، رافضًا انتقادات «ترامب» التي تحدَّث فيها عن «انعدام الامتنان» من جانب «كييف»، ومجدِّدًا التأكيد على ضرورة الحفاظ على الدَّعم الدولي.
The crux of the entire diplomatic situation is that it was Russia, and only Russia, that started this war, and it is Russia, and only Russia, that has been refusing to end it throughout the full-scale invasion. From the very first minutes of February 24, Putin has been waging…
— Volodymyr Zelenskyy / Володимир Зеленський (@ZelenskyyUa) November 23, 2025
وفي السياق نفسه، شدَّد المستشار الألماني «فريدرش ميرتس» على أنّ “الشروط غير القابلة للتفاوض تبقى بلا شك وحدة الأراضي الأوكرانية وحقّ البلاد في الوجود. هذان الأمران لا يمكن المساومة عليهما.”
أما رئيسة الوزراء الإيطالية «جورجا ميلوني»، التي شاركت الأحد في قمة مجموعة العشرين في «جوهانسبرغ»، فذكرت أنَّ الحديث يدور حول إدخال تعديلات، لا صياغة خطط بديلة كاملة. وقالت: “وجدتُ استعدادًا” لتعديل خطة السلام الخاصة بأوكرانيا، موضحةً — بعد اتصال هاتفي مع «ترامب» — أنّه ليس من الضروري العمل على «مقترح مضاد كامل»، بل على أساس النقاط الـ28 الواردة في الخطة التي عرضتها الإدارة الأمريكية.
وتتواصل المعركة التفاوضية على أكثر من مسار: المسار الأمريكي الذي يدفع نحو تسوية سريعة، والمسار الأوروبي الذي يرفع مستوى المطالب، في محاولة قد تُفضي إلى إطالة أمد الحرب وزيادة المخاطر الدبلوماسية وارتفاع عدد الضحايا.
ولمنع أي تسوية جزئية قد تُلحق الضرر بأوكرانيا، يواصل الأوروبيون جهودهم متجاوزين مهلة الخميس التي حدَّدها «ترامب»، ويعملون على إعداد «خطة بديلة» لدعم «كييف» حتَّى في غياب «واشنطن»، مع تركيز خاص على القدرات الاستخباراتية والتسليحية. ويرتكز هذا التوجُّه على دمج الموارد الفضائية الأوروبية للتعويض عن التراجع المتوقَّع في أنشطة التجسُّس الأمريكية، الحيوية في رصد الهجمات الروسية. غير أنَّ الوضع العسكري يتَّجه نحو مزيد من التعقيد، إذ تشهد إمدادات الصواريخ المضادة للطائرات تباطؤًا ملحوظًا مع توقُّف المساعدات الأمريكية وتقدُّم برنامج «بيرل» بوتيرة شديدة البطء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق