قرير جديد: ألمانيا تقود مشروعا أوروبيا لتقييد الخطاب العام عبر الإنترنت - الإيطالية نيوز

إعلان فوق المشاركات

قرير جديد: ألمانيا تقود مشروعا أوروبيا لتقييد الخطاب العام عبر الإنترنت

قرير جديد: ألمانيا تقود مشروعا أوروبيا لتقييد الخطاب العام عبر الإنترنت

الإيطالية نيوز، الجمعة 28 نوفمبر 2025 –  يكشف تقرير جديد أنَّ ألمانيا أصبحت محورًا أوروبيََا لنظام رقابة رقمية واسع ومعقَّد، تشارك فيه جهات حكومية ومنظَّمات غير حكومية وفرق تدقيق معلومات وشركات خاصة ووسائل إعلام، تعمل جميعها ضمن شبكة متداخلة تشبه «منظومة صناعية للرقابة على الإنترنت».


وتُبيِّن الدراسة، التي أعدَّتها منظمة «ليبر-نت» غير الربحية وعُرضت في برلين خلال الأيام الماضية على يد مديرها التنفيذي «أندرو لويثنال»، الباحث والناشط الأسترالي في مجال حرية التعبير، أنَّ أكثر من 330 جهة — تشمل وزارات وهيئات فدرالية ومؤسَّسات و شركات اتصالات — تشارك في هذا النظام القمعي لحرية التعبير.


وبحسب التقرير، فإنَّ الخط الفاصل بين مكافحة المعلومات المضلِّلة وبين تقييد حرية التعبير بات «بالغ الدقَّة»، ما يثير تساؤلات حول حدود الدور الرقابي للدولة وشركائها في الفضاء الرقمي داخل ألمانيا.


وبحسب دراسة ليبر-نت، فإنَّ برلين ليست “استثناءً” ديمقراطيًا، بل تُمثِّل المركز العصبي لرقابة رقمية على مستوى أوروبي قد تتحوَّل، باسم القيم الغربية، إلى نموذج لرقابة شاملة على المحتوى. واعتمدت «ليبر-نت» المنهجية ذاتها التي استخدمتها سابقًا في تعاونها مع الصحافي «مات تايبي» ضمن تحقيقات «ملفات تويتر»، والتي خُصِّصت آنذاك لرسم خريطة “المُجمَّع الصناعي للرقابة” في الولايات المتحدة، لتوثّق من خلالها هذا “الشبكة الرقابية” الألمانية.


وخلال أكثر من ستة أشهر من البحث، أعادت المنظَّمة رسم ملامح شبكة رقابة واسعة تضمُّ مئات الهيئات: وزارات، ووكالات حكومية مثل وكالة الشبكات الفدرالية و المركز الاتحادي للتثقيف السياسي، إضافة إلى منظمات غير حكومية ووسائل إعلام عامة وخاصة ومراكز أبحاث وفرق تدقيق معلومات، فضلًا عن شركات اتصالات كبرى مثل «O2» و «فودافون» و «تليكوم».


ويشير التقرير إلى أنَّ هذه المنظومة تعمل بطريقة مُتشعِّبة؛ فليست كل الجهات تمارس دور الرقابة بشكل مباشِر، إذ يختصُّ بعضها بالتدقيق المعلوماتي، ويتولَّى أخرون مهام الإشراف أو التعاون مع المنصات الرقمية، إلَّا أنَّ جميعها تتحوَّل، في نهاية المطاف، إلى مكوِّنات لآلية رقابية واسعة التأثير. وتُبرَّر هذه الإجراءات بالحاجة إلى مواجهة الدعاية الروسية، والتطرُّف، وخطاب الكراهية، والنزعات الشعبوية.


ويُظهر ما خَلُص إليه التقرير أنَّ ألمانيا باتت تُشكِّل «المركز الأوروبي للرقابة الرقمية»، مع تأثير متزايد على سياسات تنظيم الخطاب العام على مستوى الاتحاد الأوروبي أيضًا. وتوضِّح الوثيقة أنَّ ألمانيا تشهد انزلاقًا تدريجيًا من نموذج ليبرالي إلى منظومة موسَّعة للمراقبة الرَّقمية التي تبلغ حدَّ حجب الآراء التي تزعج الاتحاد الاوروبي.


فالقوانين مثل «قانون إنفاذ الشبكات» (NetzDG) — وهو التشريع الألماني الخاص بـ«تعزيز تطبيق القانون على الشبكات الاجتماعية» الصادر عام 2017 — وما تلاه من تطوير عبر «قانون الخدمات الرقمية الأوروبي» (DSA)، تمنح المنصَّات الخاصة سلطة تقرير ما هو قانوني وما هو غير قانوني، تحت ضغط حكومي كبير، بما يرفع مخاطر الرقابة المسبقة.


وأحد الجوانب الحاسمة التي أبرزها البحث يتعلق بالتمويل: فبين عامي 2020 و2024 ارتفعت الأموال الحكومية المخصَّصة لأنشطة معلنة لمكافحة «خطاب الكراهية عبر الإنترنت» و«التصدّي للمعلومات المضلِّلة» من نحو 5 ملايين يورو إلى أكثر من 27 مليون يورو. كما تتلقَّى العديد من المنظَّمات غير الحكومية المعنية — مثل مؤسَّسة أمادو أنطونيو — تمويلًا كبيرًا ليس فقط من الدولة، بل أيضًا من كبرى المنصَّات الرقمية، وتعمل كجهات إشرافية أو «مُبَلِّغين موثوقين» - من جميع الدول وحاصلين على جنسيات أوروبية - مكلَّفين بالإشارة إلى المحتويات «غير القانونية» أو غير المرغوب فيها على الإنترنت.


ويفيد التقرير بأنَّ هذه البنية، التي تُقدَّم كأداة لمحاربة الكراهية والتضليل، تُستخدَم عمليًا لتهميش الآراء الناقدة أو غير المقبولة لدى المؤسَّسات الحاكمة، ما يُهدِّد تعدُّدية النِّقاش العام ويقيد الحق في حرية التعبير. كما يشير إلى مناخ متنامٍ من الرقابة الذاتية، إذ يقول %84 من الألمان إنهم امتنعوا عن التعبير عن آرائهم خوفا من العواقب.


ويسرد التقرير أمثلة على مداهمات منزلية، ومصادرة أجهزة إلكترونية، وإجراءات من الشرطة بحق أشخاص نشروا محتويات اعتُبرت مسيئة على الإنترنت — وهي وقائع سبق أن تناولها برنامج «60 دقيقة» الأميركي في تحقيق بثّ مطلع عام 2025.


ولا يقتصر الجدل على سنّ قوانين صارمة فحسب، بل تمتدُّ إلى نشوء جهاز منهجي في ألمانيا للتحكُّم في الخطاب المتداوَل عبر الإنترنت؛ جهاز يقوم على شبكة ثابتة تضمُّ وزارات، وأجهزة أمنية، ومنظَّمات غير حكومية، ومؤسسات، ومنصات خاصة تعمل كوحدة مراقبة دائمة تُحدِّد ما يمكن قوله وما يجب استبعاده، محوّلةً الاستثناءات القانونية إلى ممارسات روتينية.


ويعتمد هذا النموذج على آليات للإبلاغ والمراقبة والإزالة الاستباقية للمحتوى، غالبا من دون رقابة قضائية، وتُسنَد مهامُه إلى جهات تُعدّ “مستقلة” شكليًا، لكنَّها في الواقع مموَّلة من الدولة. وهكذا تصبح برلين مختبرًا أوروبيًا لتصدير نموذج تُقدَّم فيه “الأمن المعلوماتي” على الحريات، وتترسَّخ فيه رقابة بيروقراطية آخذة في الاتساع تُقوِّض التعدُّدية وتُحوِّل حرية التعبير إلى امتياز مشروط.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلان اسفل المشاركات

كن على أتصال

أكثر من 600,000+ متابع على مواقع التواصل الإجتماعي كن على إطلاع دائم معهم

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

جرائم قتل النساء في إيطاليا