العلاج الإلزامي.. الصدمات الكهربائية.. الأدوية النفسية: الوجه المظلم للطب النفسي في إيطاليا - الإيطالية نيوز

إعلان فوق المشاركات

العلاج الإلزامي.. الصدمات الكهربائية.. الأدوية النفسية: الوجه المظلم للطب النفسي في إيطاليا

العلاج الإلزامي.. الصدمات الكهربائية.. الأدوية النفسية: الوجه المظلم للطب النفسي في إيطاليا

الإيطالية نيوز، الخميس 27 نوفمبر 2025 – تمكّن الطبيب النفسي والعصبي «أوغو تشيرليتي»، بمساعدة مساعده «لوتشو بيني»، للمرة الأولى من إحداث نوبة صرع باستخدام التيار الكهربائي لدى رجل أوقفته الشرطة لأنه كان يتجوّل في القطار من دون تذكرة. ويروي «تشيرليتي» نفسه أنه بعد وضع قطبين كهربائيين كبيرين على المنطقة الجبهية–الجدارية من رأس الرجل وتوجيه صدمة كهربائية إليه، قال الأخير: ليس مرة أخرى! إنه أمر رهيب. لكن طلبه لم يُستجَب، واستمرّت التجربة.


ومن هذه الواقعة نشأت في المجال النفسي تقنية العلاج بالصدمة الكهربائية، التي تُسمّى اليوم—في محاولة لتخفيف وقعها في المخيلة العامة—«العلاج بالتشنّجات الكهربائية» (TEC)، وهو إجراء يقوم على إحداث نوبات تشنّج لدى المريض عبر تمرير تيار كهربائي في الدماغ.


وتُنفَّذ هذه الممارسة اليوم في إيطاليا داخل ما لا يقل عن ثمانية مراكز صحية، ستة منها تابعة للقطاع العام واثنان معتمدان في القطاع الخاص. ورغم وجودها المستمر، فإنها تبقى واقعا قليل التداول، يحيط به قدر كبير من التحفّظ، وتكتنفه جوانب غير واضحة بالكامل.


تُستخدم «العلاج بالتشنّجات الكهربائية» (TEC) بشكل أساسي في حالات الاكتئاب الشديد، وبعض النوبات الهوسية، والكاتاتونيا الحادة، وحالات الفصام المقاومة للعلاج الدوائي، لكنها لا تقتصر على ذلك فقط.

ويشرح الطبيب النفسي «بييرو تشيبريانو»، من روما ومؤلف عدة كتب حول الصحة النفسية، لصحيفة «ليندبندنتي» الإيطالية أن «العلاج بالصدمة الكهربائية يُقدَّم أيضًا للنساء الحوامل اللَّواتي يَتعذَّر عليهن تناول الأدوية».

ورغم وجود عدد كبير من الدراسات المنشورة في الأدبيات العلمية، فإنه لم تُحدَّد بشكل قاطع الآليات الدقيقة التي تُنتج التأثير العلاجي لـ «العلاج بالتشنّجات الكهربائية». غير أن «تشيبريانو» قدّم تفسيرا: إذ يُعدّ فقدان الذاكرة المؤقت—وخاصة الذاكرة قصيرة المدى—من الآثار الجانبية للعلاج بالصدمة الكهربائية، وهو عرض جانبي قد ينتج عنه تحسّن ظاهر؛ فمع تلاشي بعض الذكريات قد تخفّ أيضا أعراض الاكتئاب، لكن ما إن تعود الذاكرة حتى تزول التأثيرات الإيجابية.


وتدعم هذا الطرح إحدى الشهادات الواردة في كتاب Elettroshock الذي أعدّه «التجمّع اللّامُؤَسَّسي المناهِض للطب النفسي» «أنطونان آرتو»، حيث يقول أحد المرضى: أول ما فعلوه هو إخضاعي للصدمة الكهربائية كي أنسى ما كنت أحمله داخلي من غضب.”

ومنذ ذلك اليوم من أبريل 1938، كان لزامًا انتظار نهاية الخمسينيات كي يبدأ استخدام الصدمة الكهربائية بالتراجع، وذلك أيضًا بفضل إدخال جيل جديد من المُركَّبات الدوائية المحسَّنة. ومع إغلاق المصحّات النفسية، أصبحت العلاج بالتشنجات الكهربائية (TEC) ممارسة متبقية محدودة، غير أنّها شهدت انتشارًا جديدًا في منتصف الثمانينيات، أولًا في الولايات المتحدة ثمَّ—وإن بدرجة أقل بكثير—في إيطاليا.


وفي عام 1996، أصدرت «روزي بيندي»، وزيرة الصحة آنذاك، تعميمًا وزاريًا أعادت فيه تقييم العلاج بالتشنُّجات الكهربائية. وقد قُدِّم هذا التعميم عقب الرأي الإيجابي الصادر عن اللَّجنة الوطنية للأخلاقيات الحيوية، وهدف إلى تحديث ومراجعة الإرشادات المتعلِّقة باستخدام هذا العلاج.


وتَواصَل هذا الزَّخم أيضًا في العقد التالي؛ إذ قام مجموعة من الأطباء النفسيين داخل الجمعية الإيطالية لعلم الأمراض النفسية عريضة موجَّهة إلى وزيرة الصحة «ليفيا توركو»، للمطالبة برفع القيود عن استخدام الصدمة الكهربائية.


وعلى الرغم من أنَّ هذه الممارسة تُستخدَم في إيطاليا على نطاق محدود نسبياً، فقد بقي النقاش حولها محصورًا في الجوانب التقنية المرتبطة بإرشادات استخدامها، وفي الإطارين الطبي والسياسي فقط—وهو نهج يثير الجدل، بالنظر إلى أن هذا العلاج هو الإجراء الطبي الوحيد الذي يُحدِث عمدًا أزمة عضوية خطيرة لدى المريض تحت ذريعة “العلاج”.


حبة دواء لكل شيء

تعتمد دراسة وتصنيف الاضطرابات النفسية على «الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية» (DSM) الصادر عن الجمعية الأمريكية للأطباء النفسيين، وعلى «التصنيف الدولي للأمراض» (ICD) الصادر عن منظَّمة الصحة العالمية. وفي النسخة الخامسة والأخيرة من للدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية جرى تصنيف 370 اضطرابًا نفسيًا، أي ثلاثة أضعاف عدد الاضطرابات المصنَّفة في الإصدار الأوَّل.

ورغم أنَّ إعداد الدليل لا يحدث مباشرة بواسطة شركات الأدوية، فإنَّ لها مساهمة كبيرة في تطويره ومراجعته. فجزء كبير من أعضاء اللَّجنة لهم علاقات مالية بصناعة الأدوية، وهو تضارب مصالح يُسهِم في خفض عتبات التشخيص، ما يؤدِّي إلى زيادة عدد الأمراض وزيادة وصف الأدوية. ومثال واضح على ذلك هو تقليص المدة اللَّازمة لتشخيص الاكتئاب: في DSM-III لعام 1989 كانت الحالة تعتبر اكتئابًا إذا استمرَّ الحزن أكثر من سنة، في DSM-IV لعام 1994 أصبحت ثلاثة أشهر، وفي DSM-5 لعام 2013 جرى تقليص المدَّة إلى أسبوعين فقط.


أما في إيطاليا، شهد استهلاك الأدوية النفسية ارتفاعًا متزايدًا خلال العقد الماضي، وبلغ ذروته عام 2020 بسبب «جائحة كوفيد»، حيث ارتفعت مستويات الاستهلاك لدى البالغين والأطفال إلى ما لم يعد يعود للقيم السابقة للجائحة. على سبيل المثال، استخدم نحو %7 من الإيطاليين مضادات الاكتئاب في عام 2021، وبلغت تكلفة هذه الأدوية العامة أكثر من 432 مليون يورو في 2023، مع حوالي 38 مليون عبوة، أي ما يعادل 47 حبة يوميًا لكل ألف نسمة. تُعدّ مضادات الاكتئاب مع البنزوديازيبينات (المهدئات) من أكثر الأدوية النفسية استخدامًا.


ويشير «تشيبريانو» إلى سوء الممارسة العامة للوصفات الطبية، خصوصًا «البنزوديازيبينات»، حيث يصفها الأطباء العامُّون والمتخصِّصون لمجموعة واسعة من الحالات، بما فيها التوتُّر أو الأعراض الجسدية الناتجة عن القلق، من دون توجيه المريض إلى ضرورة تقليل الجرعات أو التوقُّف عنها بعد أسابيع قليلة لتجنُّب الإدمان. في بعض الحالات، قد يُنصَح مريض يعاني من آلام في المعدة بتناول مهدِّئات، وهو نهج يركز على البحث عن التشخيص أكثر من الاستماع للمريض.


تشير البيانات إلى أن البحث عن التقييم النفسي أصبح شائعاً بين الشباب. وفقاً لإحصاءات «المعهد الوطني الإيطالي للإحصاء» (ISTAT)، زادت الشهادات الطبية المدرسية بنسبة %39.9 في العقد الماضي على الرَّغم من انخفاض عدد الطلَّاب، فيما تشير الجمعية الإيطالية لطب نفس الأطفال والمراهقين إلى أن نحو 2 مليون قاصر يعانون من اضطرابات نفسية. ويربط «تشيبريانو» هذه الظاهرة بـ الشعور بعدم الأمان اتِّجاه المستقبل، بحيث يؤدِّي عدم الاستقرار الشخصي والعالمي، بما في ذلك تهديد الحروب النووية، إلى معاناة وجودية لا تنبع بالضرورة من الدماغ الفردي بل من المجتمع. ويؤكد «تجمع أرتو» على نفس الرأي، مشيرًا إلى أنَّ المجتمع الحديث أصبح يملك "حبَّة دواء لكل شيء"، ولا يترك مساحة لمن يخرج عن المعيار الاجتماعي.


مرضى نفسيون مدى الحياة

أحد أبرز الجوانب الحرجة في إدارة الصحة النفسية هو صعوبة الخروج من النظام بعد التشخيص النفسي. بعد الخروج من «قسم التشخيص والعلاج النفسي بالمستشفيات» (SPDC)، يتابع المريض علاجه في «مركز الصحة النفسية» (CSM) حيث يستمر في تناول الأدوية الموصوفة، وغالبًا لمدة عقود أو مدى الحياة.

ويشير «تجمع أرتو» إلى صعوبة العثور على طبيب نفسي ضمن القطاع العام مستعد لتقليل الجرعات تدريجيًا، بينما يشكِّل اللُّجوء إلى طبيب خاص خيارًا صعبًا اقتصاديًا ومعقَّدًا. ويكتب «تشيبريانو» في كتابه «مصنع العلاج النفسي»: “يواصل العديد من أطباء النفس استخدام معايير مزدوَجة كما فعل زملاؤهم في المصحَّات: علاج عنيف يعتمد على الأدوية والأحزمة في «قسم التشخيص والعلاج النفسي بالمستشفيات»، وعلاج هادئ ومفسَّر في صمت العيادة الخاصَّة المكلَّفة.”

كون المريض تحت متابعة «مركز الصحة النفسية» يعني أيضاً الإجبار على العلاج الدوائي، وإلَّا يوجد عادةً خياران: حقن دواء طويل المفعول لتغطية عدَّة أسابيع، أو «العلاج الصحي الإلزامي» (TSO) حيث يُجبَر الشخص على تلقي العلاج بغض النظر عن إرادته. ويُجرى في إيطاليا نحو 6000 TSO سنويًا، مع صعوبة الحصول على أرقام دقيقة، إذ غالباً ما تستمر حالات الدخول الطوعي أكثر من رغبة المريض تحت تهديد «العلاج الصحي الإلزامي/الإجباري».


تُعتبر الطب النفسي الممارسة الطبية الوحيدة القادرة على إجبار المريض على العلاج، وهي كذلك أكثر الممارسات التي تضع وصمة اجتماعية. فالمصطلح النفسي قد يُقلل من مصداقية الشخص ويعرضه للتشكيك المستمر؛ على سبيل المثال، إذا عاد مريض سابق من قسم خدمة الطبّ النفسي للتشخيص والعلاج إلى المستشفى بسبب ألم في ساقه، قد يُستدعى أولاً طبيب نفسي لتقييم مدى مصداقيته قبل تلقي الرعاية.


وسم "المريض النفسي" مدى الحياة

من الأعلى، المصح العقلي السابق في بيرجين فالسوغانا بمقاطعة ترينتو. تصوير: جياني زوتّا
يُعتبر وسم "المريض النفسي" علامة قد تلازم الشخص مدى حياته، وتُجسَّد هذه الحقيقة لدى نزلاء مركز الرعاية الصحية المساندة «باندولفي» في «بيرجين فالسوغانا» (مقاطعة ترينتو). يقع المركز في بعض مساحات المصحّ العقلي السابق، وهو مركز رعاية نهائية، أي أنَّ أي شاغر يحدث بعد وفاة نزيل لا يُملأ من قبل شخص أخر.

في هذا الصدد، أوضح أحد العاملين في المركز أن جميع المرضى الحاليين، وعددهم 22 شخصًا، هم من نزلاء المصح العقلي السابقين الذين لم يغادروا المبنى بعد إغلاقه النهائي عام 2002. وبذلك، يعيش هؤلاء الأشخاص لأكثر من عشرين عامًا محبوسين داخل أربعة جدران، ويُدارون كمرضى نفسيين، وهو وضع يؤدي حتمًا إلى تدهور صحتهم الجسدية والنفسية. وأضاف العامل أن بعض النزلاء، لو لم يعيشوا في هذه الظروف، ربَّما كانوا قادرين على عيش حياة طبيعية.


ويُذكّرنا التاريخ بأنَّ حياة ما يُصطلح عليه بـ"المرضى النفسيين" كانت تُعتبر أحيانًا غير جديرة بالعيش. فبرنامج "Aktion 4" النازي، الذي استهدف إبادة المرضى الألمان الذين اعتُبروا غير منتجين وقابلين للتضحية، شمل أيضًا نزلاء المصحَّات النفسية، حيث جُرِّبت لأوَّل مرَّة غرف الغاز التي استُخدمت لاحقًا في معسكرات الاعتقال.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلان اسفل المشاركات

كن على أتصال

أكثر من 600,000+ متابع على مواقع التواصل الإجتماعي كن على إطلاع دائم معهم

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

جرائم قتل النساء في إيطاليا