وتتداول عدَّة دول أوروبية فكرة تعزيز قدراتها الدفاعية وزيادة عدد القوات المسلَّحة، بالتوازي مع تصاعد الخطاب المتعلِّق باحتمال اندلاع حرب وشيكة مع موسكو. يأتي ذلك رغم تأكيد الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين»، قبل أيام، أن الادِّعاءات حول استعداد روسيا لغزو أوروبا ليست سوى «هراء كامل» و«كذبة فاضحة».
وقال «كروزيتّو»: “جميع الدول الأوروبية تعيد النظر في النماذج التي اعتمدتها قبل 10 أو 15 عامًا، والجميع يُفكِّر في زيادة حجم قواته المسلَّحة»، مشيرًا إلى أنَّ إيطاليا أيضًا مطالَبة بمراجعة سياساتها السابقة القائمة على تقليص القوات، نظرًا إلى «اعتبارات أمنية تجعل تعزيز الدفاع أمرًا ضروريًا.”
وتقوم الفكرة المطروحة على إنشاء قوة احتياط عسكرية مساندة للدولة بقدرات متخصِّصة، بهدف رفع عدد القوات المسلَّحة بما لا يقل عن عشرة آلاف عنصر إضافي، من خلال خدمة تطوّعية يمكن تفعيلها عند الحاجة. كما شدَّد الوزير على أنَّ “الدفاع في المستقبل يحتاج إلى مزيد من العناصر وإلى قواعد جديدة.”
ويأتي مشروع القانون في سياق أوسع تتبنّاه عدَّة دول أوروبية، يبدو أنَّها تسعى — سواء استعدادًا لمواجهة محتملة مع روسيا أو لتحضير الرأي العام لها — إلى إعادة تشكيل البنية الدفاعية للقارة، وإرساء حالة دائمة من الاستنفار. ويندرج ضمن هذا الإطار أيضًا برنامج «كروزيتّو» الأشمل لإعادة هيكلة المؤسَّسة العسكرية.
فخلال شهر نوفمبر، أعلن الوزير عن خطَّة لإصلاح هيكلي للقوات المسلَّحة، تشمل تجنيد 30 ألف عسكري جديد يضافون إلى القوَّة الحالية البالغة 170 ألف عنصر، وإطلاق ذراع إلكترونية قتالية “Arma Cyber” تضمُّ خمسة آلاف عنصر مكلَّفين بمواجهة «الحرب الهجينة». كما كشفت الوزارة عن تعزيز القدرات السيبرانية عبر استيعاب ما بين 10 و15 ألف عسكري إضافي، وإنشاء درع جوي وطني يعتمد على منظومة حساسات لتأمين المنشآت الحيوية، إلى جانب أسطول من الطائرات المُسيَّرة.
وقال «كروزيتّو»، في مقابلة مع الإعلامي «برونو فيسبا» ضمن برنامج «5 دقائق» الموالي للحكومة، إنَّ «الواقع الرَّاهن يفرض الاستعداد لسيناريوهات لم تكن متصوَّرة قبل خمس سنوات، ما يعني الحاجة إلى مزيد من الأفراد، وإلى آليات جديدة للتجنيد». ويُقدِّم هذا الخطاب صورة متشدَّدة تهدف — بحسب محلِّلين — إلى تشكيل رأي عام مقتنِع بأن إيطاليا، والغرب عمومًا، تحت تهديد مباشر، ما يُبرِّر زيادة الإنفاق العسكري ونقل الموارد من قطاعات التعليم والصحة والصناعة إلى قطاع الدفاع. ويرى مراقبون أنَّ المشروع ينسجم مع توجُّهات أوروبية وأطلسية قد تزيد من تفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، عبر تقليص الإنفاق العام وزيادة الديون لتمويل استثمارات غير إنتاجية.
وفي المقابل، انتقد الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» بشدَّة الروايات المتداولة في أوروبا حول «هجوم روسي وشيك»، واصفًا إياها بأنَّها «سخافة حقيقية». وتساءل عن دوافع النخب الأوروبية لِبَثِّ مثل هذه المزاعم، قائلاً: “هناك أشخاص — إمَّا فقدوا صوابَهم أو ربَّما أذكياء يسعون للاستفادة من الوضع — يخبرون مواطنيهم أنَّ روسيا تستعدُّ لغزو أوروبا، وأنَّه يجب تعزيز القدرات الدفاعية فورًا. ربَّما يريدون خدمة مصالح الصناعات العسكرية أو تحسين شعبية حكوماتهم في ظل الظروف الاقتصادية والاجتماعية المتردِّية. لكن بالنسبة لنا، هذا محض هراء وكذب صارخ.”
ولا يمكن تجاهل مصالح الصناعات العسكرية الأوروبية في خطط إعادة التسلٌّح، بالاخص بعد الارتفاع الكبير في أسهم شركات السلاح خلال الحربين في أوكرانيا وقطاع غزة، فضلًا عن حاجة «بروكسل» لذريعة قوية لتوحيد صفوف الاتحاد الأوروبي الذي يزداد هشاشة وانقسامًا. وفي هذا السياق، لا تبدو إيطاليا — مع سياسات «كروزيتّو» — استثناءً، في مشهد تتقاطع فيه المصالح الاقتصادية والسياسية والسلطوية، حيث يجد مشروع إعادة التسلُّح نفسه في موقع مركزي داخل الأجندتين الوطنية والأوروبية.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق