الإيطالية نيوز، الجمعة 10 أكتوبر 2025 – يشهد المشهد السياسي الإيطالي نقاشًا محتدمًا بعد أن مضت الحكومة قدمًا في تطبيق إصلاح مؤسسي غير مسبوق وصفته بعض الصحف بـ«الإصلاح الحقيقي الوحيد»، والمتمثل في تقليص فعلي لدور البرلمان وعدد أعضائه إلى النصف، في خطوة أثارت انقسامًا واسعًا بين مؤيديها ومعارضيها.
تحوّل من برلمان مزدوج إلى "غرفة واحدة فعلية"
بحسب تقرير نشره موقع «هوفبوست إيطاليا» في الثالث من نوفمبر الجاري، فقد أدّت الإجراءات الحكومية إلى ما يسميه الخبراء «أحادية الغرفة بالتناوب الفعلية» (monocameralismo alternato di fatto)، أي أن أغلب مشاريع القوانين تمرّ عبر غرفة واحدة فقط، دون المرور الكامل بمجلسي النواب والشيوخ كما ينص عليه النظام الإيطالي الثنائي.
وتشير بيانات مركز الدراسات في مجلس النواب الإيطالي إلى أن نسبة القوانين التي تُعدّل أو تُناقش فعليًا في كلتا الغرفتين لا تتجاوز %8.5، ما يعني أن الغرفة الثانية أصبحت في كثير من الحالات تُقرّ فقط ما تمّ التصويت عليه مسبقًا في الغرفة الأولى.
ما بين تقليص الأعباء وتهديد التوازن الديمقراطي
وفي تقرير آخر نشرته صحيفة «إل_جورنالي»، دافعت الحكومة عن قرارها، معتبرة أن الخطوة تهدف إلى تقليص النفقات العامة و«تحسين كفاءة العمل السياسي»، معتبرة أن البرلمان الإيطالي بتركيبته القديمة كان بيروقراطيًا بطيئًا ومكلفًا.
لكن أصواتًا معارضة، من داخل المؤسسات الأكاديمية والسياسية، حذّرت من أن هذا التحوّل قد يؤدي إلى إضعاف السلطة التشريعية لصالح الحكومة، ما يخلّ بالتوازن بين السلطات.
برلمان «مُنهك» أم «مُعاد الهيكلة»؟
صحيفة «إلمانيفيستو» اليسارية وصفت ما يحدث بأنه «تآكل تدريجي لدور البرلمان»، مشيرة إلى أن الإصلاح الحقيقي يجب أن يكون في «تعزيز قدرة البرلمان على النقاش والمراقبة»، وليس فقط في تقليص عدد مقاعده.
وأوضحت الصحيفة أن البرلمان، في صيغته الحالية، يعاني من ضعف بنيوي في آليات المداولات والتنسيق بين الغرفتين، ما يجعل الحكومة الطرف المهيمن في صناعة القرار.
ما وراء الأرقام: إصلاح رمزي أم تحول دستوري؟
أما موقع «أنكورا فيسكيا إل فينتو» فقد اعتبر أن ما يحدث لا يُقاس فقط بعدد المقاعد، بل بمدى مشاركة النواب فعليًا في العملية التشريعية، مشيرًا إلى أن «البرلمان الإيطالي لم يُقلّص عددًا فقط، بل سُلب أيضًا من أدواته التقليدية في التعديل والرقابة».
ويُذكر أن التعديلات الأخيرة تأتي استكمالًا لاستفتاء عام 2020، الذي أقرّ خفض عدد أعضاء مجلس النواب من 630 إلى 400 وأعضاء مجلس الشيوخ من 315 إلى 200، في خطوة وُصفت حينها بأنها «إصلاح لتقليل التكلفة السياسية»، لكنها فتحت الباب أمام إعادة تعريف دور البرلمان في الحياة الديمقراطية الإيطالية.
تحدي المستقبل: برلمان أصغر، أم ديمقراطية أضعف؟
يرى المحللون أن التحدي الحقيقي أمام إيطاليا لا يكمن في عدد المقاعد، بل في كيفية ضمان استقلال البرلمان عن الحكومة وإعادة التوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.
وفي ظل استمرار الحكومة في تمرير مشاريع القوانين عبر مسارات تسريع استثنائية، يتساءل البعض عما إذا كانت البلاد تتجه نحو تركيز السلطة التنفيذية على حساب روح التعددية التي ميّزت النظام الإيطالي لعقود.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق