الإيطالية نيوز، الإثنين 1 ديسمبر 2025 – تَوصًّل البرلمان الأوروبي ومجلس الاتحاد إلى اتفاق يُمهِّد لإقرار حزمة من القواعد الجديدة الهادفة إلى حماية المواطنين من عمليات الاحتيال المالي عبر الإنترنت، أو على الأقل ضمان تعويضهم في حال تعرُّضهم للخسارة.
فالقواعد المستحدثة تُلزِم مُزوِّدي خدمات الدَّفع بإجراء تدقيقات أكثر صرامةً، وفي حال تَبيَّن أن آليات الوقاية لم تكن فعَّالةً، يتحتَّم عليهم تغطية الخسائر التي يتكبَّدها المستهلكون.
ولا يتوقَّف الأمر عند هذا الحد؛ إذ ستُمنَح المؤسَّسات المالية الحق في الرجوع على منصَّات التواصل الاجتماعي التي استضافت أو سهَّلت أنشطة المحتالين، ومطالبتها بتحمُّل جزء من المسؤولية.
ورغم أنَّ الاتِّفاق لا يزال بحاجة إلى اعتماد رسمي من مؤسَّسات الاتحاد الأوروبي، فقد أُعلن عنه بكل فخر يوم الخميس 27 نوفمبر. وقال «رينيه ريبازي»، عضو البرلمان الأوروبي المنتمي إلى الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني: «سيستفيد المستهلكون من قواعد جديدة وموحَّدة لتنظيم خدمات الدَّفع. وستُفرَض إجراءات إلزامية لمكافحة الاحتيال، ما سيؤدّي إلى خفض عمليات الاحتيال في المدفوعات. وعلى المصارف أن تتحمَّل نصيبًا أكبر من المسؤولية إذا لم تقم بدورها».
وأضاف «ريبازي» أنَّه في حال لم تكن الأدوات المعتمَدة كافيةً لوقف عمليات الاحتيال، فسيتوجب على المؤسَّسات المالية تعويض زبنائها تعويضًا كاملًا، بشرط أن يُبلِّغ الضحايا عن الجريمة للسلطات المختصَّة.
وتهدف القواعد الجديدة — التي تشمل «لائحة خدمات الدفع» (PSR) و«التوجيه الأوروبي الثالث لخدمات الدفع» (PSD3) — إلى تعزيز مسؤولية المصارف، لكنَّها تمتدُّ لتشمل جميع أنواع خدمات الدَّفع، من المؤسَّسات المتخصِّصة إلى حسابات البريد مرورًا بالمزوِّدين التقنيين.
ورغم عدم الإشارة صراحةً إلى كيانات مثل «بايبال»، فإنَّ الهدف المُعلَن هو رفع معايير الأمان لكل جهة تتولَّى إدارة المعاملات الإلكترونية، بغضِّ النظر عن صفتها التجارية.
ويطرح هذه الحزمة كذلك ضمانات متعلِّقة بإمكانية الوصول إلى النقود الورقية، وزيادة في شفافية الرسوم والعمولات، ونُظُمًا أكثر مرونة في مجال «المصرفية المفتوحة» (Open Banking)، فضلًا عن تبسيط إجراءات الترخيص للمشغِّلين الجُدد في قطاع المدفوعات.
وما هو أبعد من ذلك، يُقدّم هذا الحزمة التشريعية تحوُّلًا جوهريًا مرشَّحًا لإثارة خلافات سياسية على المستوى الدولي: إذ ستتمكَّن المؤسَّسات المالية التي تَكبَّدت خسائر ناجمة عن عمليات الاحتيال من المطالبة — في بعض الحالات — باسترداد تلك المبالغ من المنصَّات الإلكترونية التي استضافت إعلانات مرتبطة بتلك العمليات.
وتأتي هذه القاعدة الجديدة مُكمِّلة للتشريعات القائمة، ولا سيما «قانون الخدمات الرقمية» (DSA)، موجّهةً بذلك الضربة إلى شبكات التواصل الاجتماعي ومحرِّكات البحث وغيرها من الوسطاء الرقميين الذين يتيحون انتشار محتوى احتيالي، حتَّى عندما تَرِدهم إشعارات من الجمهور بشأنه.
وسيتعيَّن على الشركات المعنية، وغالبيتها من عمالقة التكنولوجيا خارج أوروبا، تحمّل مسؤولية التحقُّق من أنَّ المُعلِنين مخوَّلون بالفعل بتقديم خدمات مالية في الدول التي يعتزمون الترويج فيها لإعلاناتهم.
ليست الأسباب الكامنة وراء هذه الإجراءات الحازمة صعبة الفهم؛ فكل من استخدم وسائل التواصل الاجتماعي خلال الأشهر الماضية لا بدّ أنه صادف إعلانات مُضلِّلة تعتمد على تقنيات “ديب فايك”، تروِّج لأساليب مزعومة لكسب المال — وكان آخر ما صادفناه منها إعلانًا يستغل اسم الصحفي «ماركو ترافايو» بشكل مزيَّف.
ولإدراك حجم الظاهرة، يكفي التذكير بأنه في مطلع نوفمبر كُشفت وثائق داخلية لشركة «ميتا» أظهرت أن %10 من إيرادات الشركة لعام 2024 — أي نحو 16 مليار دولار — جاءت من مُعلنين احتياليين.
ومع وجود أرقام بهذا الحجم، يصبح من الصعب الاعتقاد بأن الاعتماد على “حسن نية” المنصّات الرقمية سيكون كافيًا لوقف هذا النوع من الاحتيال.
وليس من المستغرَب أن تصف «جمعية صناعة الحاسوب والاتصالات» (CCIA) — وهي جماعة الضغط الأوروبية التي تمثل «أمازون» و«غوغل» و«ميتا» و«آبل» — الحزمة التشريعية المقترحة بأنَّها «معيبة»، معتبرةً أنَّ الإجراءات المطروحة ليست فقط غير مفيدة، بل قد تكون ذات نتائج عكسية.
وقد تَعقَّد الطريق نحو اعتماد نهائي لهذه القواعد بسبب الميل المتزايد داخل المفوضية الأوروبية إلى تخفيف تشريعاتها الرقمية، في محاولة لمجاراة مطالب مزوّدي الخدمات، وتهدئة التوتُّر مع إدارة «ترامب»، التي هدَّدت مرارًا بالرد على تطبيق القوانين الأوروبية التي تعتبرها مُجحفة بحق شركات التكنولوجيا الأميركية الكبرى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق