كانت «ر.» متعبة ومضطربة وهي تروي ما حدث عبر اتصال هاتفي مع صحيفة «لإنديبendente». طلبت عدم كشف اسمها خوفًا من تعرضها لاعتداءات جديدة، قبل أن تواصل سرد واقعة تبدو صادمة، لكنها باتت حدثًا يوميًا في الضفة الغربية المحتلّة.
وتضيف إحدى المتطوعات الإيطاليات اللاتي تعرّضن للاعتداء: “في لحظة ما أخذوا القهوة من المطبخ وراحوا يقولون بسخرية: “تحبّون القهوة العربية؟ تحبّون القهوة العربية؟” ثم رشوها علينا.” وتتابع: “ركلونا في الوجه، وضربونا بمؤخرة البنادق على الأضلاع والساقين والذراعين… أما الشاب الذي كان معنا فهو الأسوأ حالًا، إذ ضربوه مرارًا على أعضائه التناسلية.”
اعتداء مباغت… وحراسة ليلية لا تتوقف
تقول «ر.» إن المستوطنين “عنيفون وخارجون عن السيطرة”، وإن الفلسطينيين والمتضامنين الأجانب الذين يعيشون في الضفة ينظّمون دوريات حراسة ليلية. وتروي كيف بدأ الهجوم: “عادة لا تحصل الهجمات بعد الثالثة فجرًا؛ وهذه هي تقريبًا ساعة انتهاء ورديتنا. كان الوقت نحو الرابعة حين سمعنا أصواتًا ورأينا ضوء مصباح يدوي. أشخاص يقفون عند الباب قالوا: “إيطاليون استيقظوا!… اليهود هنا”. بدا الأمر وكأنه محاولة لجعلنا نظن أن فلسطينيين يحاولون تحذيرنا من وصول المستوطنين.”
وتتابع: “في ظل الارتباك، وبفعل الصدمة، توجهنا إلى الباب وفتحناه. عندها اقتحم المستوطنون المكان وانهالوا علينا ضربًا بلا توقف. كما رشّوا علينا سائلًا نعتقد أنه كحول، وظلوا يسألون من أين جئنا، وماذا نفعل هناك، ويأمروننا بالمغادرة وعدم العودة.”
نشطاء "فزعة": تضامن تحت الهجوم
الضحايا الأربعة هم ناشطون في حملة فزعة، وهي مبادرة فلسطينية تعمل في الضفة الغربية لتقديم التضامن للمجتمعات التي تتعرض لهجمات من الجيش والمستوطنين. وتم نقلهم إلى «رام الله» بعد تلقي العلاج في مستشفى «أريحا».
وتضيف «ر.» : “يصعب تحديد مدة الهجوم، لكننا نعتقد أنه استمر نحو عشرين دقيقة. غادر المستوطنون وقد أخذوا كل مقتنياتنا: الهواتف، جوازات السفر، الحقائب، الملابس… كل شيء. رحلوا وهم يكررون أننا يجب ألا نعود.” بعد ذلك هرع أهالي القرية لإنقاذهم، “وقالوا إنهم كانوا بالفعل في طريقهم فور سماع الصراخ، لكنهم توقفوا حين سمعوا المستوطنين المسلحين يجهزون بنادقهم، وخافوا أن يُطلق النار عليهم. وقد رمى المستوطنون عليهم الحجارة أيضًا.”
عنف بلا قيود… وحصانة شبه مطلقة
العنف الذي يتعرض له الفلسطينيون أشد بكثير. فبينما يشنّ المستوطنون على الأجانب اعتداءات «ترهيبية» في الغالب، فهم لا يترددون في التسبب بإصابات خطيرة — بل بالقتل — حين يتعلق الأمر بالفلسطينيين.
ووفق تقرير صادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، فقد شهد عام 2025 أكثر من 1600 هجوم للمستوطنين، أسفرت عن إصابة ما لا يقل عن 700 فلسطيني — وهو عدد يقارب ضعف ما سُجّل في العام السابق. كما لحقت أضرار واسعة بالممتلكات الفلسطينية، خصوصًا شبكات المياه والكهرباء.
ومنذ 7 أكتوبر 2023، قُتل ما لا يقل عن 34 فلسطينيًا — بينهم ثلاثة أطفال — على أيدي المستوطنين، منهم 20 قتلوا مباشرة على يدهم، و14 برصاص أطلقه المستوطنون والجنود معًا، في مشهد يعكس «تنسيقًا كاملًا» في عمليات تهدف إلى التطهير العرقي، بحسب التقرير.
كما اضطر نحو 3200 فلسطيني إلى النزوح بسبب هجمات المستوطنين وسياسات الهدم والقيود الإدارية الإسرائيلية، لا سيما في المنطقة (ج)، التي يفترض قانونيًا أن تكون جزءًا من دولة فلسطين رغم خضوعها للسيطرة الإسرائيلية الكاملة. وتؤكد منظمة «يش دين» الإسرائيلية لحقوق الإنسان أن %93 من التحقيقات في اعتداءات المستوطنين أغلقت دون أي إدانة.
“هجوم على التضامن الدولي”
تقول «ر.»: “نعم، تضررنا وتعرضنا لكدمات وجروح، لكن ما نالنا لا يُقارن بما يتعرض له الفلسطينيون باستمرار». وتضيف: «العائلة التي استضافتنا أسعفتنا فورًا ونقلتنا إلى المستشفى.”
وتشرح سبب وجودهم هناك: “نفضّل أن نسمي وجودنا حضورًا تضامنيًا، لأنه لم يعد وجودًا وقائيًا؛ فالمستوطنون أصبحوا يعملون علنًا بسبب صمت المجتمع الدولي، رغم ما يجري في غزة منذ أكثر من عامين. وجودنا كان يسمح لأهالي القرية بأن يناموا قليلًا بدل السهر طوال الليل خوفًا من الهجمات.”
وتختم: “هذا الهجوم استهدف أيضًا التضامن الدولي. أرادوا تخويفنا ودفعنا للمغادرة. لكننا لن نغادر عين الديوك… ولن نغادر الضفة الغربية المحتلة.”

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق