وكان رئيس أركان الجيش، «كارمينه مازييلُّو»، قد قرَّر خلال الأشهر الماضية إطلاق مسار أكاديمي في الفلسفة لطلاب أكاديمية «مودينا» العسكرية، من خلال دمج خمسة عشر ضابطًا شابًا في برنامج جامعي رسمي بجامعة «بولونيا». غير أنَّ المقترَح قُوبل بالرَّفض من قبل قسم الفلسفة في الجامعة، والذي — وفقًا لِـ «مازييلّو» — برَّر موقفه بـ«الخوف من عسكرة الكلية».
ولم تتأخَّر رئيسة الوزراء «جورجا ميلوني» في التعليق على الخطوة، إذ وصفت قرار الجامعة بأنَّه «غير مفهوم» و«غير مقبول».
وبرزت القضية إلى العلن يوم السبت الماضي، عندما كشف الجنرال — خلال مشاركته في أعمال «الملتقى العام لخطط التعافي» في مدينة «بولونيا» — عن الحادثة علنًا، مُعرِبًا عن أنَّه شعر بـ«الصدمة وخيبة الأمل» من قرار الأساتذة. وفي غضون ساعات قليلة، اندلع سيلٌ من التصريحات الغاضبة المعتادة.
وتعليقًا على ذلك، قالت وزيرة الجامعة والبحث، «آنّا ماريا بيرنيني»، إنها «مُحبًطة» من قرار جامعة «بولونيا»، معتبرةً أنَّ «قسمًا يخشى العسكرة بسبب مسار دراسي قد يُعرِّض جوهر المعرفة نفسها للخطر». أما «غالياتسو بينيامي»، فاعتبر ما حدث «مثالًا سيئًا على الإقصاء».
في المقابل، تحدَّث باسم الجامعة رئيسها، «جوفانّي مولاري»، الذي فضَّل — بدل الدفاع الصريح عن قرار القسم — الاكتفاء بموقف مؤسَّسي، واصفًا ما حدث بأنَّه «قرار مستقل اتَّخذه القسم». وأوضح «مولاري» الآليات التي كان من المفترَض أن يُعقد بها هذا المساق: إذ كان على الأساتذة الانتقال إلى أكاديمية «مودينا» لإعطاء المحاضرات مباشرة داخل الثكنة، بينما كان الجيش مستعدًّا لتغطية تكاليف التدريس. غير أنَّ هذه التكاليف — كما أوضح رئيس الجامعة — كانت ستتجاوز بكثير عقود العمل الأكاديمية المعتادة. ولم يصدر أي تعليق رسمي من الأساتذة المعنيين بالقرار.
في الواقع، لم تنفجر القضية بشكل مفاجئ. فمنذ شهر أكتوبر، كانت داخل كلية الفلسفة وثائق وتبادلات وأسئلة تُناقش بشأن فكرة استحداث برنامج دراسي مخصَّص لضبَّاط الجيش. وأعلن المعارضون الأوائل لهذا المقترح—وفي مقدِّمتهم التجمعات الطلابية، إضافةً إلى أساتذة وباحثين وموظفي الكلية—رفضهم الصريح للمشروع، معتبرين أنه يشكل «تطبيعًا» لوجود المؤسسة العسكرية داخل الجامعة، وذلك في ظل موجة الاحتجاجات الواسعة آنذاك ضد الإبادة الجماعية في غزة.
وقال «التجمُّع الجامعي المستقل» (CUA) في بيان: «نجد من غير المقبول مجرَّد التفكير في إنشاء برنامج حصري لمن ينتجون الموت والدمار في أراضينا. هذا المنهاج دليل إضافي على أنَّ جامعاتنا باتت تخضع لمنطق الحرب وإعادة التسلُّح. ومع استمرار الإبادة، لا يمكن تجاهل أنَّ الخطابات الحربية والاتفاقات المتعلِّقة بإنتاج السلاح تمرُّ أيضًا عبر الجامعات».
لكن طلب استحداث برامج تعليمية مخصَّصة للعسكريين ليس جديدًا تمامًا؛ فقد أُطلقت خلال السنوات الماضية مساقات خاصة لمنتسبي القوات المسلحة في مدن «مودينا» و«ريدجو إميليا» و«تورينو»، ولم تثر حينها جدلًا واسعًا. غير أنّ المعارضة المنظّمة هذه المرة من جانب الطلّاب والتجمُّعات أثّرت بشكل حاسم، وأقنعت مدير القسم، «دانييلي غيديتّي»، بالتراجع عن المشروع ووقف الاتفاق مع الجيش.
Ritengo che la decisione assunta dal Dipartimento di Filosofia dell'Università di Bologna di negare l'attivazione di un percorso di studi per i giovani ufficiali dell'Esercito Italiano sia un atto incomprensibile e gravemente sbagliato.
— Giorgia Meloni (@GiorgiaMeloni) December 1, 2025
Non si tratta solo di una scelta…
وقالت ميلوني إن القرار “لا يمثل مجرد خيار غير مقبول، بل يشكّل أيضًا انتهاكًا للواجبات الدستورية التي تستند إليها استقلالية الجامعة». وأكدت أن المؤسسات الأكاديمية، بصفتها مراكز للانفتاح وتعددية الأفكار، «ملزمة بدعم وتعزيز كل مسار يهدف إلى الارتقاء الثقافي، بعيدًا عن أي أحكام أو تمييزات ذات طابع أيديولوجي.”
وأضافت أن هذا الرفض “ينطوي على تشكيك في الدور الأساسي الذي تضطلع به القوات المسلحة باعتبارها ركيزة من ركائز الدفاع عن الجمهورية وأمنها»، مشيرة إلى أن تعزيز التكوين الثقافي للضباط عبر العلوم الإنسانية «يمثل عنصرًا استراتيجيًا يرفع من مستوى الخدمة التي يقدمونها للدولة.”
وشددت ميلوني على أن المهام الموكلة للقوات المسلحة، ولا سيما في البيئات الدولية المعقدة، تتطلب إعدادًا لا يقتصر على الجوانب التقنية، بل يشمل أيضًا القدرات التحليلية والرؤية الفكرية والمرونة الذهنية. “إن تكوينًا أكاديميًا متكاملاً يشكّل ضمانة لاحترافية تعود بالنفع على الدولة بأكملها”، على حد قولها.
واختتمت رئيسة الوزراء بتجديد «الدعم التام وغير المشروط» من جانبها ومن جانب الحكومة للجيش الإيطالي وسائر القوات المسلحة، منددة بـ”أي محاولة لعزلها أو نزع الشرعية عنها أو إقامة حواجز أيديولوجية أمام حوار مؤسسي يعدّ جوهريًا للمصلحة الوطنية.“
I professori dell’Ateneo di Bologna, che hanno rifiutato di avviare un corso di laurea per alcuni ufficiali dell’Esercito italiano, temendo (così dicono) la (presunta) “militarizzazione” della loro Universita’, possono stare tranquilli: quegli ufficiali che loro oggi rifiutano… pic.twitter.com/1rwyJcj5XV
— Guido Crosetto (@GuidoCrosetto) November 29, 2025
قال وزير الدفاع الإيطالي «غيدو كروزيتّو»، في منشور عبر حسابه على منصة «إكس»، “إن أساتذة جامعة بولونيا الذين رفضوا إطلاق برنامج دراسي لعدد من ضباط الجيش الإيطالي بدعوى الخشية من «عسكرة» الجامعة، «يمكنهم أن يطمئنّوا؛ فهؤلاء الضباط الذين يرفضونهم اليوم بازدراء سيظلون اليوم وغدًا ودائمًا مستعدين للدفاع عنهم، متى وحيثما دعت الحاجة.”
وأضاف «كروزيتّو»: “آمل فقط أنه إذا ما وقع — لا قدّر الله — موقف يستدعي ذلك، أن يكون هؤلاء الأساتذة، ولو معنويًا، إلى جانب القوات المسلحة التي أقسمت على الدستور بأن تدافع دائمًا وفي كل مكان عن كل مواطن إيطالي.” وختم بالقول: “وهذا ما تفعله القوات المسلحة كل يوم بالفعل.”

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق