التقرير، الذي يستند إلى أشهر من جلسات الاستماع وتحليل شهادات عيان وتقارير طبّية وآلاف الوثائق، يتهَّم إسرائيل باتِّباع «سياسة دولة قائمة على التعذيب المنظَّم والواسع النطاق»، كاشفًا عن نظام يرسِّخ ممارسات إساءة بدنية ونفسية بحق الأسرى الفلسطينيين، بمن فيهم الأطفال، الذي ازدادت حدًّته منذ 7 أكتوبر 2023.
وتُسجِّل اللَّجنة الاممية، المؤلَّفة من عشرة خبراء مستقلِّين، أنماطًا متكرِّرة من الانتهاكات: الضرب، الحرمان من النَّوم، التهديد بأذى يطال أفراد الأسرة، التعريض لدرجات حرارة قاسية، الاستخدام المطوَّل للأصفاد كأداة قسرية، أوضاع الإجهاد الجسدي، والعنف الجنسي. وهي انتهاكات سبق أن وثَّقتها تحقيقات مستقلة ومنظَّمات حقوقية.
ويشير التقرير، المنشور ضمن المتابعة الدورية للدول الأطراف في اتفاقية مناهضة التعذيب، إلى أن المحتجزين الفلسطينيين تعرّضوا لإهانات ممنهجة، من بينها إجبارهم على التصرف «كالحيوانات» أو إجبارهم على التبول على أنفسهم. كما يؤكد أن الاحتجاز الإداري – بلا تهم أو محاكمة – يشمل مئات الفلسطينيين المحتجزين لفترات غير محددة؛ إذ تفيد بيانات منظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية بتسيلم بوجود 3,474 فلسطينيًا رهن هذا النوع من الاحتجاز.
وسبق للَّجنة أن أعربت عن قلقها من غياب تعريف واضح لجريمة التعذيب في القانون الإسرائيلي، ومن إمكانية استخدام “بند الضرورة” في القانون الجنائي لتبرير القوة أثناء الاستجوابات. وترى اللَّجنة أنَّ هذه الثغرة التشريعية تفتح الباب أمام الإفلات من العقاب، وتنتقد قرارات المحكمة العليا الإسرائيلية التي «امتنعت عن فتح تحقيقات جنائية بحق عناصر الأمن رغم الاستخدام المؤكَّد لأساليب قسرية».
ولا تزال أوضاع السجون حرجة: اكتظاظ شديد، رعاية طبية غير كافية، واستخدام واسع للحبس الانفرادي، مع تسجيل 24 معتقلًا على الأقل في عزل مطوَّل لأكثر من عامين متتاليين. كما توثق اللجنة وفاة 75 معتقلًا فلسطينيًا على الأقل في الحجز منذ اندلاع حرب 2023، من دون أن تُفضي أي تحقيقات إلى محاسبة فعلية.
الأوضاع تبدو أكثر خطورة بالنسبة إلى الأطفال الفلسطينيين؛ إذ يشير التقرير إلى استجوابات تُجرى من دون حضور محامٍ أو ذوي المعتقَل، وانتزاع اعترافات بالإكراه، وتزايد استخدام الاحتجاز كإجراء اعتيادي. ويرصد أنَّ سن المسؤولية الجنائية المعتمَد في إسرائيل هو 12 عامًا، ومع ذلك فقد احتُجز أطفال أصغر سنًا. ويشير التقرير إلى أنَّ القاصرين يعانون «قيودًا قاسية على الاتصال بعائلاتهم، وإمكانية وضعهم في العزل، وحرمانهم من التعليم» بما يخالف المعايير الدولية. وتطالب اللَّجنة إسرائيل بتعديل قوانينها لضمان عدم استخدام العزل ضد الأطفال.
وجاء نشر التقرير في اليوم نفسه الذي أُطلق فيه سراح ثلاثة من عناصر شرطة حرس الحدود الإسرائيلية بعد استجوابهم بشأن إعدام فلسطينيَّين بدم بارد في "جنين». أمَّا ردّ إسرائيل، كما نقلته وسائل إعلام دولية، فاعتبر خُلاصات «الأمم المتحدة» «منحازة ولا أساس لها من الصحة». لكن اللَّجنة تؤكِّد أنَّ الأدلَّة التي جمعتها «متطابقة وذات صدقية وتتقاطع من مصادر مختلفة»، وأنًّ الإفلات من العقاب ما زال القاعدة.
ويزيد التقرير من الضغوط الدولية ويعيد طرح التساؤل حول مدى توافق ممارسات إسرائيل الأمنية مع التزاماتها المقرَّرة في الاتفاقيات الدولية. وحتى الآن، تبقى توصيات اللجنة حبراً على ورق، فيما تستمرُّ السجون والمنشآت العسكرية الإسرائيلية، بحسب التقرير، بالعمل كـ«مراكز تعذيب فعلية».

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق