حتّى الآن، لا تعترف رسميًا بحكم «طالبان» سوى روسيا، فيما تعمل الحركة على تعزيز علاقاتها مع الصين والهند، وبدأت حوارًا مباشرًا مع «الاتحاد الأوروبي» الرَّاغب في إيجاد آلية لإعادة المهاجرين الأفغان الذين رُفضت طلبات لجوئهم أو صدرت بحقِّهم قرارات ترحيل. كما حافظت دول مجاورة، مثل أوزبكستان، وأخرى عربية وإسلامية، مثل الإمارات العربية المتحدة، على بعثات دبلوماسية نشطة في «كابول». في المقابل، تدهورت العلاقات بشكل حاد مع باكستان، رغم دور الأخيرة في صعود «طالبان» الأول وفي عودتهم إلى السُّلطة عام 2021.
روسيا: اعتراف رسمي وسعي إلى محور بديل
في 3 يوليو الماضي، أعلنت روسيا عن اعترافها الرَّسمي بحكم «طالبان»، وأزالت الحركة من القائمة الروسية للمنظمات الإرهابية لأول مرَّة منذ أكثر من عقدين. ويأتي هذا التحوُّل في إطار مساعي «الكرملين» لبناء شبكة علاقات مع دول «بديلة» للغرب، مثل كوريا الشمالية وأفغانستان.
وترى موسكو في العلاقة مع «طالبان» أهمية تجارية، ولا سيما لربط طرقها نحو جنوب آسيا، إلى جانب اعتبارات أمنية تتعلَّق بمواجهة التنظيمات الموالية لتنظيم «داعش». ويُعدّ «داعش ـ خراسان» (ISIS-K) أبرز هذه التنظيمات، وكان الخصم الرئيسي لِـ «طالبان» داخل أفغانستان، مع نشاط لافت في دول آسيا الوسطى.
الصين: حضور اقتصادي يعيد تشكيل العلاقات
أعادت الصين اتِّصالاتها الدبلوماسية مع طالبان في يناير 2024، بقبولها تعيين سفير للحركة من دون الاعتراف رسميًا بها. وكانت شركات صينية مرتبطة بأكبر شركة نفط حكومية قد وقَّعت قبل ذلك بعام اتِّفاقًا لاستخراج النفط من حوض نهر «آمو داريا» في شمال أفغانستان، وهو أكبر استثمار أجنبي منذ عام 2021.
ومنذ ذلك الحين، اتَّخذت شركات تعدين صينية خطوات استكشافية لاستخراج الذَّهب والماس والفحم، كما أعلنت «بكين» عن دعمها لفكرة الإفراج عن الأصول الأفغانية المجمَّدة في الخارج. ويُمثِّل هذا النهج استمرارًا لسياسة صينية قائمة على ترسيخ النفوذ عبر الاستثمارات الاقتصادية.
الهند: تحوّل مفاجئ تدفعه مواجهة باكستان
أمَّا التغيير الأكثر لفتًا للانتباه فجاء من الهند، التي كان رئيس وزرائها «ناريندرا مودي» من أبرز معارضي «طالبان» تاريخيًا، بسبب صلات الحركة الوثيقة بباكستان. لكن الصراع الحدودي المتصاعد بين «كابول» و «إسلام آباد»، وتبادل الاتهامات بين الجانبين بشأن دعم جماعات مسلَّحة، دفع «نيودلهي» إلى إعادة النظر في موقفها.
تتَّهم باكستان «طالبان» بإيواء مقاتلي «تحريك طالبان باكستان» (TTP)، فيما تتَّهم «كابول» «إسلام آباد» بغضِّ الطرف عن جماعات مرتبطة بتنظيم «داعش». ومع ارتفاع حدَّة التوتُّر بين الهند وباكستان، رأت حكومة «مودي» فرصة لبناء علاقة «براغماتية» مع «طالبان»، انطلاقًا من خصومة مشترَكة لباكستان.
وفي أكتوبر الماضي، استقبلت الهند وزير خارجية «طالبان»، «أمير خان متقي»، في مدينة «ديوبند» (شمال البلاد)، قبل أن ترفع تمثيل مكتبها الفني في «كابول» إلى مستوى سفارة كاملة وتبحث إطلاق مشاريع اقتصادية مشتركة.
أوروبا: بوابة التطبيع مرتبطة بملف الهجرة
سمحت ألمانيا والنرويج لطالبان بإرسال دبلوماسيين لتمثيلهما في سفارتي البلدين. وفي ألمانيا، قوبلت الخطوة بانتقادات واسعة، خصوصًا بعد أن أدَّى وصول دبلوماسيين مقرَّبين من «طالبان» إلى استقالات داخل طاقم السفارة الأفغانية، المؤلَّف بمعظمه من معارضين للحركة.
وجاء ذلك في إطار تفاهم سمح بعودة طائرة تقلّ 81 مهاجرًا أفغانيًا رُحِّلوا من ألمانيا، التي تستضيف أكبر جالية أفغانية داخل الاتحاد الأوروبي، تُقدَّر بنحو 400 ألف شخص.
ويبدو أنَّ التوجُّه الأوروبي يسير في الاتِّجاه نفسه؛ إذ أعلنت المفوضية الأوروبية في أكتوبر عن بدء محادثات «استكشافية» و«فنية» لوضع آليات لإعادة طالبي اللُّجوء الأفغان المرفوضة طلباتهم، بعد رسالة مشتركة من حكومات عشرين دولة طالبت بهذه الخطوة.
الولايات المتحدة: تشدد متزايد في عهد ترامب
على النقيض من ذلك، اتَّخذت إدارة الرئيس الأميركي «دونالد ترامب» موقفًا أكثر صرامةً، إذ أعلنت الأسبوع الماضي عن إعادة النَّظر في جميع تصاريح الإقامة المؤقَّتة التي مُنحت للمواطنين الأفغان، بعد اتِّهام أحدهم بتنفيذ هجوم أدَّى إلى مقتل عنصرين من الحرس الوطني في «واشنطن». ولا تستهدف الخطوة «طالبان» تحديدًا، بل تأتي ضمن سلسلة إجراءات مشابهة فرضتها الإدارة على جنسيات أخرى.