وصَدر قرار محكمة الاستئناف اليوم، 15 ديسمبر، بعد قبول أحد الطعون المقدَّمة ضدَّ احتجاز «شاهين» في مركز الاحتجاز بمدينة «كالتانيسيتًا»، بإقليم «صقلية»، جنوب إيطاليا. ويصف مرسوم الترحيل، الذي بحسب صحيفة «إل إنديبندينتي»، الإمام بأنَّه «يُشكِّل تهديدًا حقيقيًا وحاليًا وخطيرًا بما يكفي لأمن الدولة»، معتبرًا أنه قد «يُسهِّل، بطرق مختلفة، أنشطة أو منظَّمات إرهابية، بما في ذلك على المستوى الدولي».
ويستند المرسوم إلى عدة مبررات، أبرزها التصريحات التي أدلى بها «شاهين» خلال تظاهرة في 9 أكتوبر، واتهام موجه إليه بعرقلة حركة المرور خلال احتجاج في مايو الماضي، إضافة إلى مزاعم بوجود صلات له مع شخصين انضما لاحقًا إلى جماعات مصنفة إرهابية. كما يشير القرار إلى الدور البارز الذي يلعبه «شاهين» داخل الجالية الإسلامية، ونشاطه في الدعوة إلى تظاهرات داعمة لفلسطين، ورفض منحه الجنسية الإيطالية عام 2023، ويصفه بأنه حامل «لأيديولوجيا أصولية ذات طابع معادٍ للسامية»، من دون تقديم توضيح مفصل لذلك.
غير أن محكمة الاستئناف رأت أن أياً من هذه الأسباب لا يرقى إلى اعتبار «شاهين» شخصًا يشكل خطرًا على أمن الدولة. فقد أشارت إلى أن التصريحات محل الاتهام جرى حفظها في 10 أكتوبر الماضي، وأنها انتُزعت من سياقها العام. كما اعتبرت أن تهمة عرقلة المرور لا تكفي لتصنيفه خطرًا، لاسيما أنه يقيم في إيطاليا منذ عشرين عامًا و«لا يملك أي سجل جنائي». أما الادعاءات المتعلقة بعلاقته بأشخاص متورطين في قضايا إرهاب، فقد أوضحها «شاهين» خلال فترة احتجازه.
وقالت محامية شاهين، فيروس جاما، لصحيفة «إل إنديبندينتي» إن الوقائع المرتبطة بالأشخاص المتهمين بالإرهاب تعود إلى سنوات مضت، مؤكدة أن موكلها لا يُتهم بإقامة «اتصالات» مباشرة معهم، بل بـ«التعرّض لمحاولات اقتراب» فقط. وأضافت أن أحد هذه الادعاءات استند إلى مجرد ورود اسم شاهين في مكالمة هاتفية بين أطراف أخرى. وفيما يتعلق برفض منحه الجنسية، أوضحت جاما أنه تم تقديم طعن قضائي، إلا أن الجلسة لم تُعقد بعد.
وكان «محمد شاهين» قد أُوقف صباح 24 نوفمبر أمام منزله، حيث جرى سحب تصريح إقامته وتسليمه قرار ترحيل. وبعد احتجازه بداية في مركز الاحتجاز بمدينة «تورينو»، نُقل لاحقًا إلى مركز «كالتانيسيتا»، على بعد نحو 1600 كيلومتر من المدينة، بعيدًا عن أسرته ومحاميته. وفي بلده الأصلي، مصر، يُنظر إليه باعتباره معارِضًا سياسيًا بسبب مواقفه العلنية المناهضة لنظام الرئيس «عبد الفتاح السيسي».
وجاءت المطالبة بترحيله عقب سؤال برلماني وجهته النائبة عن حزب «إخوة إيطاليا»، «أَوْغوستا مونتارولي»، إلى وزير الداخلية «ماتِّيو بيانتيدوزي»، استندت فيه إلى التصريحات ذاتها حول حركة «حماس»، والتي كانت قد أُغلقت قضائيًا قبل ذلك بشهر ونصف الشهر. وعلى إثر ذلك، أصدرت وزارة الداخلية قرار الترحيل واحتجازه، وهو القرار الذي كانت محكمة الاستئناف قد صادقت عليه في مرحلة أولى قبل أن تعيد النظر فيه لاحقًا.
ليست هذه المرة الأولى التي يتعرض فيها أشخاص من أصول عربية وفلسطينية، بينهم شخصيات بارزة، لملاحقات في إيطاليا على خلفية مواقفهم السياسية منذ 7 أكتوبر 2023. فقبل عام واحد فقط، رُحِّل إمام مدينة «بولونيا»، «ذو الفقار خان»، بقرار مماثل صادر عن وزير الداخلية «ماتيو بيانتيدوزي»، وأُعيد إلى باكستان، بلده الأصلي، رغم إقامته في إيطاليا منذ ثلاثين عامًا. وقد استند مرسوم ترحيله، الذي جاء عقب مواقف علنية مؤيدة للقضية الفلسطينية، إلى اتهامه بـ«الميل إلى تبني مواقف متطرفة».
وقبل نحو شهرين، أخطرَت بلدية ميلانو رئيس «جمعية الفلسطينيين في إيطاليا»، «محمد حنّون»، بقرار منعه من دخول المدينة، متهمةً إياه بالتحريض على العنف. وكان «حنّون» قد أدلى، خلال مسيرة نُظمت في 18 أكتوبر الماضي، بتصريحات علّق فيها على عمليات إعدام علنية نُسبت إلى حركة «حماس»، قال فيها: “كل ثورات العالم لها قوانينها. من يقتل يُقتل، والمتعاونون يجب قتلهم. اليوم يبكي الغرب على هؤلاء المجرمين، ويقول إن الفلسطينيين قتلوا شبانًا مساكين. لكن من قال إنهم شبان مساكين؟.”
كما يبرز ملف «أحمد سالم»، وهو لاجئ فلسطيني محتجز منذ ستة أشهر في سجن «روسانو كالابرو» ، بمحافظة كوسينزا، (إقليم كالابريا، جنوب إيطاليا)، على خلفية اتهامه بالترويج والدعم لتحركات احتجاجية ضد ما يصفه بـ«الإبادة الجماعية» في «قطاع غزة».
إلى ذلك، يواجه ثلاثة فلسطينيين محاكمة أمام القضاء في مدينة «لاكويلا»، وهم «عنان يعيش»، و«علي عرار»، و«منصور دغموش»، بتهمة «الانتماء إلى جمعية ذات أهداف إرهابية». وتستند الاتهامات، وفق ما أعلنته إسرائيل، إلى قيامهم بتمويل «كتيبة طولكرم»، وهي مجموعة مسلحة تنشط في إطار ما تصفه بالمقاومة ضد إسرائيل في «الضفة الغربية» المحتلة منذ عام 1967. ومن المقرر أن تصدر المحكمة حكمها في هذه القضية في 19 ديسمبر الجاري.
