ويتضمن القانون المعدّل سلسلة من التعديلات التي تلغي الرقابة القضائية، كما يختلف عن نسخة 2024 في كونه قابلًا للتطبيق حتى في غياب حالة الطوارئ، ما يجعله، بحسب منتقديه، أداة رقابية صريحة. ويستهدف التشريع على نحو خاص شبكة «الجزيرة» القطرية، التي تتهمها إسرائيل بالعمل كأداة دعائية للقضية الفلسطينية، وبالمشاركة في أحداث السابع من أكتوبر، وهي اتهامات نفتها الشبكة بشكل قاطع، ووصفتها بـ«الافترائية»، معتبرة أن القانون يشكّل قمعًا لحرية الصحافة ويتعارض مع القانونين الدولي والإنساني. وبموجب القانون، لا يزال موقع «الجزيرة» الإلكتروني وقناتها التلفزيونية محظورين داخل إسرائيل.
وينص القانون على منح وزير الاتصالات، بموافقة رئيس الوزراء ومصادقة الحكومة أو اللجنة الوزارية للأمن القومي (المجلس الوزاري المصغّر للشؤون السياسية والأمنية)، صلاحية اتخاذ إجراءات لتقييد بث ونشاط أي وسيلة إعلام أجنبية، إذا رأت الأجهزة الأمنية أن محتواها يُلحق «ضررًا حقيقيًا» بأمن الدولة. وتشمل هذه الإجراءات وقف البث، وإغلاق المكاتب داخل إسرائيل، ومصادرة معدات البث، وحجب المواقع الإلكترونية أو تقييد الوصول إليها، فضلًا عن اتخاذ تدابير تقنية لمنع استقبال البث عبر الأقمار الصناعية. وتسري هذه القرارات لمدة 90 يومًا، مع إمكانية تمديدها لفترات إضافية مماثلة.
وكانت الحكومة الإسرائيلية قد قررت، في مايو 2024، إغلاق مكاتب «الجزيرة» — وهي الوسيلة الإعلامية الوحيدة التي كانت تغطي الحرب على غزة عبر مراسلين ميدانيين — وأمرت قوات الأمن بمداهمة مقرها في مدينة «الناصرة» ومصادرة تجهيزاته لإغلاقه فعليًا. ورغم تبرير هذه الخطوات بدواعٍ تتعلق بـ«الأمن القومي»، يرى منتقدون أن العلاقة المتوترة بين إسرائيل ووسائل الإعلام تجعل من هذه التشريعات وسيلة لإسكات التغطية المباشرة للأحداث أكثر منها إجراءً لحماية الأمن.
وإلى جانب إقرار قانون إغلاق وسائل الإعلام الأجنبية، مددت إسرائيل حظر دخول الصحافيين الدوليين إلى «قطاع غزة»، ما دفع «رابطة الصحافة الأجنبية» (FPA)، التي تمثل نحو 400 مؤسسة إعلامية، إلى تقديم التماس إلى المحكمة العليا في «القدس» للمطالبة بالسماح للصحافة الدولية بالوصول المستقل إلى «القطاع». ويعني ذلك، بحسب «الرابطة»، أن العالم محروم من الحصول على معلومات مباشرة ومستقلة عما يجري في فلسطين، ولا يتلقى سوى روايات منتقاة تمر عبر القنوات الإسرائيلية. ووفقًا ل«لاتحاد الدولي للصحافيين» (IFJ) ومنظمة «مراسلون بلا حدود» (RSF)، فإن نصف الصحافيين الذين قُتلوا حول العالم خلال عام 2025 سقطوا في غزة جراء الهجمات الإسرائيلية.
وتشير «الجزيرة» إلى أن عددًا كبيرًا من مراسليها ومتعاونيها، وفي بعض الحالات أفرادًا من عائلاتهم، قُتلوا خلال العامين الماضيين أثناء الحصار المفروض على غزة، موضحة أن عدد الصحافيين والإعلاميين الذين لقوا حتفهم في فلسطين خلال هذه الفترة تجاوز 200. وتؤكد الشبكة أن استهداف حرية الصحافة والعاملين في المجال الإعلامي ليس ظاهرة طارئة أعقبت هجوم السابع من أكتوبر، إذ سبق لرئيس الوزراء «بنيامين نتنياهو» أن هدد عام 2017 بإغلاق مكتب «الجزيرة» في «القدس»، كما دمّر صاروخ إسرائيلي عام 2021 المبنى الذي كان يضم استوديوهاتها في غزة. وفي مايو 2022، قُتلت مراسلة الشبكة شيرين أبو عاقلة برصاص جنود إسرائيليين في الضفة الغربية المحتلة.
وبإقرار هذا القانون الجديد، يؤكد الكنيست — بحسب منتقديه — نهج إسرائيل المتصاعد في تقييد حرية الإعلام، ومواصلة عرقلة نقل صورة مستقلة عمّا يجري في فلسطين، عبر إجراءات تتعارض بشكل صريح مع توصيف إسرائيل لنفسها بوصفها «الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط».

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق