ويقع نحو نصف هذه البؤر الاستيطانية في عمق الضفة الغربية، فيما يتوزع النصف الآخر بشكل شبه متوازن على امتداد «الخط الأخضر» الفاصل بين الضفة الغربية وإسرائيل. وكانت مستوطنتا «غانيم» و«كاديم» قد أُخليتا بموجب اتفاق فك الارتباط عام 2005، الذي انسحبت إسرائيل بموجبه بشكل أحادي من قطاع غزة وأربعة بؤر استيطانية غير قانونية في الضفة الغربية. أما مستوطنتا «حوميش» و«سا نور»، فقد أُعيد إنشاؤهما رسميًا في مايو الماضي. واعتبر «سموتريتش» أن “إعادة غانيم وكاديم إلى خريطة الاستيطان بعد عشرين عامًا تُصحّح ظلمًا مؤلمًا”، في خطوة تُعد تراجعًا جديدًا عن المطالب المتكررة للأمم المتحدة التي تدعو إسرائيل إلى تفكيك المستوطنات والانسحاب من الضفة الغربية.
ويتواصل، بوتيرة متسارعة، مخطط الاستيطان وتفتيت الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، حيث يواصل المستوطنون، بدعم من الجيش الإسرائيلي، إخلاء تجمعات فلسطينية، وهدم المنازل، وتدمير مصادر رزق آلاف العائلات، بالتوازي مع التوسع في بناء مستوطنات جديدة غير قانونية وتقنينها من قبل تل أبيب. وتُموَّل هذه السياسات وتُروَّج لها صراحة من حكومة نتنياهو، التي أقرت الأسبوع الماضي الموازنة العامة للدولة متضمنة خطة إنفاق بنحو 720 مليون يورو لتوسيع المستوطنات وتقنين البؤر التي أُنشئت من دون ترخيص حكومي.
وبحسب الإجراءات الجديدة المقرر تطبيقها اعتبارًا من عام 2026، سترفض إسرائيل تسجيل المنظمات التي تُتهم بالضلوع في «الإرهاب أو معاداة السامية أو نزع الشرعية عن إسرائيل أو إنكار المحرقة أو إنكار جرائم السابع من أكتوبر». غير أن المحامي الإسرائيلي «يوتام بن-هيلل»، الذي يمثل عددًا من المنظمات غير الحكومية، قال لوكالة «فرانس برس» إن مفهوم «نزع الشرعية عن إسرائيل» قد يشمل «أي انتقاد بسيط» لسياسات الدولة. وأضاف: “نحن لا نعرف حتى ما الذي يعنيه هذا المصطلح فعليًا. أي منظمة تعمل في غزة أو الضفة الغربية وترى ما يجري وتنقله قد تُعلن غير قانونية لمجرد أنها تنقل ما تشهده على الأرض.”
من جهتها، أعلنت وزارة شؤون الشتات ومكافحة معاداة السامية الإسرائيلية أنها رفضت حتى الآن 14 طلب تسجيل من أصل نحو 100 طلب، في حين تمت الموافقة على 21 طلبًا، ولا تزال الطلبات المتبقية قيد الدراسة. ومن بين المنظمات التي استُبعدت بموجب القواعد الجديدة «أنقذوا الأطفال»، إحدى أقدم وأشهر المنظمات العاملة في غزة، حيث تقدم المساعدة لنحو 120 ألف طفل، إضافة إلى «لجنة الأصدقاء الأميركيين للخدمة» (AFSC). وقد مُنحت هذه المنظمات مهلة 60 يومًا لسحب جميع موظفيها الدوليين من قطاع غزة والضفة الغربية المحتلة وإسرائيل، كما مُنعت من إدخال المساعدات الإنسانية عبر معابر غزة.
ودعا المنتدى الذي يضم وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية العاملة في المنطقة، في بيان صدر الخميس، إسرائيل إلى «إزالة جميع العوائق»، بما في ذلك إجراءات التسجيل الجديدة، محذرًا من أنها «تهدد بتقويض الاستجابة الإنسانية».
وتدعم «أطباء بلا حدود» حاليًا ستة مستشفيات عامة في غزة، وتدير مستشفيين ميدانيين، إضافة إلى دعم أربعة مراكز صحية وتشغيل مركز لتغذية المصابين بسوء التغذية. وتستفيد من أنشطة المنظمة قرابة نصف مليون شخص في القطاع. ويحذر مراقبون من أن حظر عمل المنظمة، إلى جانب منظمات دولية أخرى، قد يحرم شريحة واسعة من سكان غزة من الوصول إلى الرعاية الطبية الأساسية، ويوجه ضربة قاضية إلى الوضع الإنساني المتدهور أصلًا في القطاع.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق