ويختصر هؤلاء الشرطيون والدركيون المستقيلون شعورهم بعبارة قالها أحد الضباط السابقين: «انتهى بي الأمر إلى أن أسأل نفسي: هل أنا فعلًا في الجانب الصحيح؟». عبارة تلخّص حالة الإحباط والشك التي تدفع عددًا متزايدًا من العاملين في أجهزة الأمن إلى مغادرة مواقعهم. وهو قرار لا يُتخذ باستخفاف، إذ غالبًا ما ينطوي على تضحيات شخصية ومهنية كبيرة، غير أنه يمثّل، بالنسبة إلى كثيرين، السبيل الوحيد للحفاظ على نزاهتهم وكرامتهم في مواجهة ممارسات يرونها غير مقبولة.
في غرفة تبديل الملابس بمفوضية شرطة مدينة نيفير، في السادس من يوليو 2022، خيّم التوتر على الأجواء. تبادل عناصر الشرطة النظرات والهمسات، من دون أن يجرؤ أحد على كسر الصمت. في هذا السياق، قرر فلوران جونسولان، وهو شرطي شاب، ترك منصبه بعد سنوات من الخدمة. عائلته، التي يصفها بأنها «ميسورة الحال إلى حد كبير وذات نزعة بورجوازية–بوهيمية باريسية»، لم تفهم تمامًا خياره حين علمت بعزمه الالتحاق بسلك الشرطة. ومع حصوله على درجة الماجستير في القانون، نجح في يناير 2010 في اجتياز مسابقة الضباط، مدفوعًا بطموح «ربما كان رومانسيًا بعض الشيء»، على حد تعبيره، يتمثل في «خدمة الصالح العام، وحماية المؤسسات، وأن يكون مفيدًا للمجتمع».
غير أن مرحلة التكوين سرعان ما شكّلت صدمة قاسية. فبين «نكات» تحمل إيحاءات عن «اليساريين» وتعليقات عنصرية صريحة، اقتنع فلوران بأنه «وقع في دفعة غير سوية»، ليحلّ في المرتبة الحادية والخمسين من أصل مئة، قبل أن يُعيَّن في وحدة مختصة بقضايا الاغتصاب والسرقات المصحوبة بالعنف. وعلى الرغم من حصوله على تقييمات جيدة، اصطدم سريعًا بممارسات يقول إنه «لا يقرّها»، قبل نقله إلى الشرطة القضائية في إقليم سين-سان-دوني. وخلال أحد التحقيقات، شهد أعمال عنف أثناء الحجز الاحتياطي، مؤكدًا أنه «أثار احتجاجًا علنيًا فيما كان الجميع يشيح بنظره». كما كشف عن وجود «زملاء يعانون بشدة من ضغوط نفسية، وقد أصابهم الاكتئاب نتيجة أسلوب إدارة عمودي وقاسٍ»، فضلًا عن انعدام الثقة بين مختلف الرتب، من حرّاس السلام إلى الضباط والمفوّضين.
ولا تُعد تجربة فلوران حالة معزولة، إذ أفاد كثير من عناصر الشرطة والدرك بأنهم مرّوا بظروف مماثلة، وجدوا أنفسهم فيها أمام خيار صعب بين ضمائرهم وواجبهم المهني. ففي حالات كثيرة، يكون ثمن الولاء باهظًا، فيما تصبح الضغوط للامتثال لأعراف المؤسسة غير محتملة. وتترتب على ذلك تداعيات خطيرة، من بينها تآكل الثقة في المؤسسات وتراجع الشعور بالأمن العام. ويؤكد التقرير ضرورة أن تبادر السلطات إلى اتخاذ إجراءات فعّالة لمنع هذه التجاوزات، وضمان حماية حقوق رجال الأمن الذين يجرؤون على الإبلاغ عن ممارسات غير مقبولة، باعتبار أن نظامًا عادلًا ومنصفًا وحده كفيل بضمان أمن المواطنين واستعادة ثقتهم.
تجد المصادر المُستند إليها لتعزيز هذا المقال متضمنةً في النص باللون الأزرق: انقر على الكتابة باللون الأزرق للوصول إليها.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق