ويشير الفائض التجاري إلى الفارق بين صادرات دولة ما ووارداتها، وهو بالتالي مقياس لحجم الدخل الذي تتمكن من توليده عبر تجارتها الدولية. وتُعدّ الصين تاريخيًا دولة مُصدِّرة، شأنها شأن إيطاليا وألمانيا، في حين توجد دول تستورد أكثر مما تصدّر، مثل الولايات المتحدة التي تسجّل عجزًا تجاريًا.
وتكتسب وتيرة نمو الفائض التجاري الصيني أهمية خاصة، ليس فقط لأنه تجاوز للمرة الأولى عتبة تريليون دولار، بل لأنه حقق ذلك على الرغم من الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
كانت الصين بالفعل أكثر الدول تضرّرًا من السياسة التجارية العدائية للولايات المتحدة. فبحلول أبريل، وصلت الرسوم الجمركية الأميركية المفروضة على السلع الصينية إلى 145 في المئة من سعر السلعة، وردّت الصين بإجراءات مماثلة تقريبًا، ما أدى إلى شلل كبير في حركة التجارة بين البلدين. لكن العلاقة بين الرئيس الأميركي «دونالد ترامب» ونظيره الصيني «شي جين بينغ» شهدت تحسّنًا مؤخرًا. فقد توصّل الجانبان إلى اتفاق جديد أسفر عن خفض الرسوم الجمركية إلى أقل من النصف، وتقليص القيود التجارية، مما سمح بتهدئة التوتر وإعادة تنشيط التبادل التجاري بين البلدين. ذلك لا يعني أن الحرب التجارية التي أطلقها ترامب لم تؤثّر في حركة التجارة بين الولايات المتحدة والصين. فخلال نوفمبر، تراجعت الصادرات الصينية إلى السوق الأميركية بنسبة 29 في المئة مقارنة بالشهر نفسه من عام 2024، في انخفاض هو الثامن على التوالي بمعدل من رقمين، والأكبر منذ أغسطس. ومع ذلك، نجحت الصين في توجيه صادراتها نحو أسواق أخرى، ما عوّض بالكامل تقريبًا الخسائر المسجّلة في السوق الأميركية. فمنذ سنوات، تعمل الحكومة والشركات الصينية على تقليص اعتمادها على الولايات المتحدة، في ظل توتّر تجاري يعود إلى الولاية الأولى ل «ترامب».
وفي نوفمبر، ارتفعت الصادرات الصينية إلى الاتحاد الأوروبي بنحو 15 في المئة مقارنة بالشهر نفسه من عام 2024، مدفوعةً بالأسواق الفرنسية والألمانية والإيطالية على وجه الخصوص. كما زادت الصادرات إلى إفريقيا بما يقارب 28 في المئة، وإلى دول آسيان بنسبة 8.4 في المئة، وهي رابطة تضم عشر دول في جنوب شرق آسيا ترتبط باتفاق تجاري مشترك.
ولجأت الشركات الصينية كذلك إلى نقل مراحل التجميع النهائي لعدد من منتجاتها إلى دول آسيان — مثل بروناي وكمبوديا والفلبين وإندونيسيا ولاوس وماليزيا وميانمار وسنغافورة وتايلاند وتيمور الشرقية وفيتنام — ثم شحن السلع الجاهزة من هناك إلى الولايات المتحدة. وبهذه الطريقة، تمكّنت من الالتفاف على جزء من الرسوم الجمركية التي تستهدف المنتجات الصينية بشكل مباشر.
كما لم يتأثّر الفائض التجاري الصيني بشكل كبير بالرسوم الأميركية لأسباب تتعلق بالحسابات نفسها. فبين يناير ونوفمبر، تراجعت الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة بنحو 20 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق. وفي الوقت ذاته، انخفضت واردات الصين من السلع الأميركية بنسبة مماثلة تقريبًا، بعدما أوقفت بكين تقريبًا شراء فول الصويا الأميركي، وهو ما ألحق أضرارًا كبيرة بالقطاع الزراعي في الولايات المتحدة.
وبذلك، كانت المحصلة شبه معدومة على الميزان التجاري — الذي يساوي، كما هو معروف، الفرق بين الصادرات والواردات. فبرغم الرسوم الجمركية، بقي ميزان القوة التجارية بين الصين والولايات المتحدة على حاله: إذ واصلت الصين تصدير بضائع إلى السوق الأميركية تفوق بثلاثة أضعاف ما تستورده منها.
مع ذلك، يجب وضع هذه الأرقام في سياق التحديات الواسعة التي تواجه الاقتصاد الصيني في السنوات الأخيرة، بما في ذلك الأزمة العقارية العميقة، والانكماش الكبير في الاستهلاك المحلي، وارتفاع معدلات بطالة الشباب. لذلك، بات الأداء القوي للتجارة الخارجية عنصرًا حاسمًا لتمكين الاقتصاد من الصمود والحفاظ على وتيرة نموه. وفي المقابل، يعكس اعتماد ثاني أكبر اقتصاد في العالم على التجارة الخارجية إلى هذا الحد مؤشرًا مقلقًا في ظل البيئة العالمية الحالية التي تتسم بتزايد الغموض والتقلبات.
وفي ضوء كل ما سبق، ينبغي النظر أيضًا إلى أحد العوامل التي تقف وراء الأداء الاستثنائي للفائض التجاري الصيني: الحفاظ المتعمَّد على ضعف العملة الصينية من قِبل البنك المركزي، الذي لا يتمتع بدرجة الاستقلال نفسها التي تمتلكها نظيراته في الاقتصادات الغربية. فقد شهدت عملة الرينمنبي (اليوان) تراجعًا ملحوظًا في قيمتها خلال السنوات الأخيرة مقارنة بالعملات الأخرى، ما جعل السلع الصينية — التي هي أصلاً أرخص من نظيراتها الغربية — أكثر تنافسية على المستوى الدولي. إذ يتطلّب شراء البضائع المُسعَّرة باليوان كميات أقل من الدولارات أو اليورو. ويبدو هذا الانخفاض أكثر وضوحًا أمام اليورو، حيث فقدت العملة الصينية أكثر من 20 في المئة من قيمتها خلال الأعوام الثلاثة والنصف الماضية، مقابل تراجع لا يتجاوز 5 في المئة أمام الدولار.
