ويعدّ القانون الجديد تعديلًا لتشريع سابق يعود إلى عام 1992، وكان قد أُقرّ حينها بمبادرة من وزير الخارجية الأسبق «جوليو أندريوتي». ويهدف القانون الحالي إلى ضبط حالات التقدّم للحصول على الجنسية على أسس أنساب قديمة تعود لأجيال مضت، من دون صلة فعلية وواقعية مع إيطاليا.
وقد صوّت الحزب الديمقراطي (PD) وجميع قوى المعارضة ضد القانون، منتقدين في المقام الأول استخدام الحكومة لصيغة المرسوم–القانون التي تحدّ من صلاحيات البرلمان في النقاش والتعديل. وفي مداخلاتهم البرلمانية، لجأ نواب الحزب الديمقراطي إلى خطاب عاطفي يستحضر التاريخ الصعب للهجرة الإيطالية، مؤكدين على أهمية الارتباط الرمزي والثقافي بين الجاليات الإيطالية حول العالم وبلدهم الأصلي.
وفي حديث تلفزيوني، وصفت الأمينة العامة للحزب الديمقراطي، «إيلي شلاين»، القرار بأنه "مفارقة"، قائلة: "أحفاد ضحايا «مارسينيل» لن يكون لهم الحق في الحصول على الجنسية"، في إشارة إلى حادث منجمي مأساوي راح ضحيته عشرات العمال الإيطاليين في بلجيكا عام 1956. وأكدت «شلاين» أن القانون الجديد يمثل "تضييقًا غير مفهوم" يتناقض مع "احترامنا التاريخي للشتات الإيطالي ولأولئك الذين مثّلوا بلادنا حول العالم بتضحياتهم".
لكن خلف هذه الانتقادات تكمن أيضًا اعتبارات سياسية وانتخابية، إذ أن القانون القديم لعام 1992 يشكّل أساسًا لنظام التصويت للمواطنين المقيمين في الخارج، وهو ما استفاد منه الحزب الديمقراطي بشكل كبير في الانتخابات العامة لعام 2022، حيث حصل على 7 من أصل 12 مقعدًا مخصصة للدائرة الخارجية (4 في مجلس النواب و3 في مجلس الشيوخ).
ويعود ذلك جزئيًا إلى ميل الناخبين الإيطاليين في الخارج، باستثناء أمريكا اللاتينية، نحو التوجهات التقدمية، وأيضًا إلى شبكة الجمعيات والفروع الحزبية التي يديرها الحزب الديمقراطي خارج البلاد. غير أن هذه المنظومة الانتخابية لطالما واجهت انتقادات متكررة تتعلق بالشفافية واتهامات بالزبونية، خاصة في أمريكا الجنوبية، وهي ظواهر لا تقتصر على حزب بعينه.
لكن المثير للاستغراب كان لجوء نواب الحزب الديمقراطي إلى تمجيد شخصية «ميركو تراماليا»، أحد أبرز رموز اليمين المتطرف في إيطاليا، ومهندس قانون التصويت للإيطاليين في الخارج. فقد وُلد «تراماليا» في برغامو عام 1926، وشارك في جمهورية "سالو" الفاشية التي أنشأها «موسوليني» بدعم من «هتلر»، قبل أن ينضم لاحقًا إلى الحركة الاجتماعية الإيطالية الفاشية. ورغم ذلك، نال احترامًا في الأوساط السياسية لمناصرته قضايا المغتربين الإيطاليين، وتولى وزارة شؤون الإيطاليين بالخارج في حكومة «سيلفيو برلسكوني» عام 2001، حيث أقرّ القانون الذي أتاح التصويت للمغتربين.
ورغم أن القانون أُقرّ بدعم واسع من مختلف الأطياف السياسية، إلا أنه أدى إلى نتيجة لم تكن متوقعة من قبل اليمين الذي طرحه، إذ أسهمت أصوات الإيطاليين في الخارج في منح حكومة «رومانو برودي» (اليسار) أغلبية برلمانية حرجة في انتخابات 2006، ما مكّنها من نيل ثقة مجلس الشيوخ.
وقد أشار عدد من نواب الحزب الديمقراطي – وجميعهم منتخبون في الدائرة الخارجية – إلى «تراماليا» في مداخلاتهم خلال جلسة الثلاثاء، وبينهم «نيكولا كارّي» (من أستراليا)، و«كريستيان دي سانزو» (من تكساس)، و«فابيو بورتا» (من ساو باولو – البرازيل). وقد هاجموا التحالف الحاكم، ولا سيما حزب "إخوة إيطاليا"، متّهمين إياه بتقويض «إرث تراماليا» السياسي.
ولم يخلُ النقاش من سجالات شخصية، إذ أثار النائب «بيرو فاسّينو» الجدل عندما امتدح «تراماليا» في كلمته، واصفًا إياه بـ"نائب مهم من الحركة الاجتماعية ثم التحالف الوطني"، مما أثار امتعاض نواب اليمين. وخصّ بالردّ «أندريا تراماليا»، حفيد «ميركو»، الذي رأى في ذلك "محاولة متأخرة من اليسار لإضافة ضابط سابق في الجمهورية الاجتماعية الفاشية إلى لائحة رموزه"، في تصريح استفزازي فاقم التوتر داخل الجلسة.
وفي ظل هذا الجدل، غادر بعض نواب الحزب الديمقراطي القاعة دون تصويت، بينهم مقرّبون من «شلاين»، مفضلين عدم الارتباط بشكل مباشر بالموقف الرسمي للحزب في هذه القضية المثيرة للجدل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق