يُعرَف الجيش الباكستاني بتأثيره الاستثنائي على الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد، تماما لى غرار مصر في عهد الرئيس الحالي، «عبد الفتاح السيسي»، إذ يتحكَّم في قطاعات كبيرة من الإعلام، وكان له دور حاسم في تعيين معظم رؤساء الوزراء، بل حكم البلاد بشكل مباشر لقرابة نصف تاريخها من خلال الانقلابات العسكرية. وغالبًا ما يُقال إن "باكستان ليست دولة تمتلك جيشًا، بل جيش يمتلك دولة".
الجنرال «عاصم منير»، أحد أكثر الشخصيات نفوذًا في باكستان، يتبنَّى منذ سنوات نهجًا متشدِّدًا اتِّجاه الهند، ويُعتبَر الصراع بين البلدين ذا طابع ديني في جوهره، بالنَّظر إلى أنَّ الهند ذات أغلبية هندوسية، بينما باكستان ذات أغلبية إسلامية. وقد سرَّع «منير» عملية "أسلمة" الجيش الباكستاني، التي بدأت في الثمانينيات بقيادة الجنرال «محمد ضياء الحق».
في 16 أبريل، أي قبل ستة أيَّام من التفجيرات التي شهدها إقليم "كشمير" الخاضع للسيطرة الهندية، والتي تتَّهم نيودلهي جماعة تدعمها باكستان بتنفيذها، وصف «منير» منطقة "كشمير" بأنَّها "الوريد الوداجي" لباكستان، في إشارة إلى أهميتها الحيوية للهوية الوطنية الباكستانية. وقال «منير» حينها: “هل تعرفون ماذا يحدث عندما يُقطع الوريد الوداجي؟»”، في تصريح فُسّر على أنَّه دعوة ضمنية لعدم التخلِّي عن كامل "كشمير"، وليس فقط الجزء الخاضع حاليًا لسيطرة باكستان.
مُنِظِّر "الأُمَّتين" وصاحب النُّفوذ المتصاعد
يؤمن «منير» بنظرية "الأُمَّتين"، التي شكَّلت الأساس لتقسيم الهند في عام 1947 وإنشاء باكستان. هذه النَّظرية تؤكِّد على التمايز الجذري بين الهندوس والمسلمين، دينيًا وثقافيًا وسياسيًا، وقد قال «منير» في خطاب بتاريخ 26 أبريل: “دياناتنا مختلفة، عاداتنا مختلفة، تقاليدنا مختلفة، أفكارنا مختلفة وطموحاتنا مختلفة”، في إشارة إلى عمق التباعد بين الدولتين.
الهند من جانبها تتَّهم «منير» بدفع باكستان نحو مواقف أكثر تطرُّفًا وعدوانيةً، بالأخص بعد التفجيرات الأخيرة. وقد حمَّلته وسائل إعلام هندية مسؤولية مباشرة في التحريض على تلك الهجمات، غير أنَّه لم يُصدَر أي تعليق رسمي حتَّى الآن.
تحدِّيات داخلية قد تُقيِّد طموحات المواجهة
ورغم نبرته المتشدِّدة، فإنَّ قدرة «عاصم منير» على خوض مواجهة مفتوحة مع الهند تبقى محدودة، نظرًا للتحدِّيات التي تواجهها البلاد، لا سيما على الصعيد الاقتصادي. كما أنَّ الجيش الباكستاني منشغل أصلاً بارتفاع وتيرة الهجمات الإرهابية على الحدود مع أفغانستان، نتيجة نشاط حركة طالبان الباكستانية وفرع تنظيم الدولة الإسلامية في أفغانستان، إضافة إلى الاضطرابات في إقليم "بلوشستان" المضطرب.
«عاصم منير»، بخلاف عدد من القادة العسكريين السابقين، لا ينحدر من أسرة عسكرية، بل هو إبن مدير مدرسة وإمام مسجد في مدينة "روالبندي". تلقَّى تعليمه في مدارس دينية، وخدم لاحقًا في المملكة العربية السعودية ضمن بعثات الجيش الباكستاني. تولَّى منصب رئيس جهاز الاستخبارات الباكستاني (ىصى) لفترة قصيرة عام 2018، قبل أن يُقال بأمر من رئيس الوزراء آنذاك «عمران خان»، وسط تقارير عن تحقيقه في قضايا فساد تتعلَّق بـ «خان» نفسه. وفي عام 2022، تولَّى منصب قائد الجيش، وهي وظيفة سيستمرُّ فيها حتى عام 2027 على الأقل.
منذ تولِّيه المنصب، عزّز الجيش قبضته على الحياة السياسية، وقيَّد الحريات العامة ووسائل التَّعبير، فيما ازداد «منير» حضورًا في وسائل الإعلام المحلية والدَّولية، مُلقيًا خطبًا تُنقل على نطاق واسع وتُتابع عن كثب، خصوصًا في الهند.