ومنذ فجر يوم الجمعة، أسفرت هذه الهجمات عن استشهاد ما لا يقل عن 115 فلسطينيًا، بينهم عائلات بأكملها وعشرات الأطفال، في وقت تُمنع فيه المساعدات الإنسانية من دخول القطاع منذ 75 يومًا. وعلَّق المفوِّض السَّامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، «فولكر تورك» (Volker Turk)، قائلًا: "تصاعد القصف ومنع المساعدات الإنسانية يُشير إلى وجود نيَّة لإحداث تغيير ديموغرافي دائم في قطاع غزة، وهو ما يُعتبَر خرقًا للقانون الدولي ويُرقى إلى تطهير عرقي".
ورغم هذه الانتهاكات، فإنَّ المجتمع الدولي، وعلى رأسه الولايات المتحدة، لا يبدو عازمًا على اتِّخاذ خطوات لوقف العدوان. بل عاد الرئيس الأمريكي السابق «دونالد ترامب»، خلال زيارة إلى قطر، ليُكرِّر موقفًا مثيرًا للجدل، مُعبِّرًا عن "فخره لو قامت الولايات المتحدة بالاستيلاء على قطاع غزة وتحويلها إلى منطقة حُرَّة"، في إشارة إلى مشروع قديم له بتحويل قطاع غزة إلى منتجع فاخر خالٍ من الفلسطينيين.
جرت الموافقة على "عملية عربات جدعون" مطلع مايو، وهي خطة تستهدف فرض ما وصفه رئيس الوزراء الإسرائيلي «بنيامين نتنياهو» بـ"السيطرة التشغيلية" على قطاع غزة، ما يعني عمليًا الاحتلال العسكري المباشر، مع تهجير السكان الفلسطينيين نحو جنوب القطاع، حيث فقط تُخطِّط تل أبيب للسَّماح بتوزيع محدود للمساعدات.
ورغم تِكرار المزاعم الإسرائيلية بأنَّ الهدف هو فقط "القضاء على حماس"، فإنَّ الانتقادات بدأت تتسع، حتَّى من داخل مراكز أبحاث محسوبة على دوائر الدَّعم الإسرائيلي في الولايات المتحدة. فقد حذَّر "معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى"، الذي أسَّسته "لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية" (AIPAC)، من أنَّ الاحتلال طويل الأمد للقطاع قد يؤدِّي إلى تعزيز المقاومة الفلسطينية وتحويل الصراع إلى حرب عصابات طويلة الأمد.
وفي مدينة "خان يونس" وحدها، أسفرت العمليات العسكرية الأخيرة عن مجزرة راح ضحيتها 60 شخصًا، بينهم عائلات كاملة. واستهدفت غارة جوية الصحفي «حسن سمور»، مذيع إذاعة "صوت الأقصى"، الذي استشهد مع 11 فردًا من أسرته. كما استُشهد الصحفي «أحمد الحلو»، فني في شبكة "قدس الإخبارية"، مع شقيقه. وبذلك يرتفع عدد الصحفيين الفلسطينيين الذين قُتلوا منذ بدء العدوان إلى 216 صحفيًا، في مؤشِّر خطير على استهداف ممنهج للعاملين في الإعلام من قبل الجيش الإسرائيلي.
وفي ظل هذا التصعيد، لا تلوِّح في الأفق أي بوادر لحل سياسي. وفيما تتحدَّث بعض وسائل الإعلام الغربية عن خطة سلام محتملة من «ترامب»، فإنَّها لم تظهر بعد على أرض الواقع – وربما لا وجود لها أصلاً. وكان «ترامب» قد وعد قبيل زيارته إلى الدول العربية بالإعلان عن "مفاجأة كبيرة"، ما أثار تكهنات بإمكانية طرحه خطة للسلام أو حتى الاعتراف بدولة فلسطين. لكن الواقع اقتصر على إعلانات تجارية ضخمة، أبرزها اتفاق أبرمه مع «أحمد الشرع»، الجهادي السابق ورئيس ما يسمى "سوريا الجديدة"، إضافة إلى اتفاقيات استثمارية بملياري دولار مع السعودية وقطر والإمارات – وهي الدول نفسها التي يُفترض أن تلعب دورًا في الوساطة لوقف الحرب، لكنها تبدو منشغلة بإبرام صفقات مع الحليف الأقوى لإسرائيل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق