القضية تتعلَّق بالراحل «باسكوالينو تزينيري» (Pasqualino Zenere)، وهو موظَّف سابق في شركة "ميتيني" (Miteni) في بلدة "تريسّينو"، حيث عمل لأكثر من عقد في معالجة المياه العادمة، قبل أن يُصاب بسرطان في منطقة الحوض ويتوفى عام 2014.
عائلة «تزينيري» كانت قد رفعت دعوى قضائية ضد "المعهد الوطني للتأمين ضد حوادث العمل" (Inail)، وبعد معركة قانونية طويلة، صدر الحكم لصالحهم.
ومن المرجَّح أن يُشكِّل هذا القرار القضائي سابقة مهمة، خاصة في ظل اقتراب انتهاء محاكمة عدد من مسؤولي شركة "ميتيني" السابقين المتهمين بالتسبُّب بكارثة بيئية.
وأكَّدت المحكمة على أنَّ الوفاة ناتجة عن التعرُّض لمواد PFOA وPFOS، وهما من مركَّبات PFAS، والتي تعرَّض لها «تزينيري» خلال عمله، سواء عبر الاستنشاق أو البلع، أو من خلال ملامستها المباشرة لجلده. وأوضح محامي العائلة، «أدريانو كارِتا»، أن "الوثائق المقدَّمة تتعلَّق بطبيعة المهام التي كان يؤديها الفقيد والعلاقة المباشرة بينها وبين المرض الذي أدى إلى وفاته"، مشيرًا إلى أنَّ "الحُكم لا يتطرَّق إلى المسؤوليات الجنائية، بل يؤكِّد فقط الصلة السببية بين ظروف العمل والمرض، وهو بذلك يدخل ضمن نطاق قضايا التأمين والضمان الاجتماعي التي يعنى بها "المعهد الوطني للتأمين ضد حوادث العمل".
هذا الحكم هو الأوَّل من نوعه الذي يُوثّق بشكل رسمي ومُفصّل العلاقة بين التعرّض لمركبات PFAS والإصابة بسرطان قاتل، ويأتي في وقت تشهد فيه مدينة فيتشينسا محاكمة 15 مسؤولًا سابقًا في شركة "ميتيني"، على خلفية اتِّهامات تتعلَّق بتلويث طبقات المياه الجوفية في مقاطعات فيتشينسا وبادوفا وفيرونا، ما أثَّر على حياة نحو 350 ألف شخص.
وكانت النيابة العامة قد طالبت، في فبراير الماضي، بالسِّجن لمدد يصل مجموعها إلى 121 عامًا و6 أشهر بحق تسعة من المتَّهمين، وذلك بعد تقديمها مرافعة موسّعة استندت إلى أدلَّة مُفصَّلة حول حجم التلوُّث. وفي حال إدانة المتَّهمين، قد يُشكِّل الحكم منعطفًا حاسمًا في تاريخ القضاء البيئي، ويضع سابقة قانونية مهمَّة حول مسؤولية الشركات الكبرى عن الكوارث البيئية.
وفي سياق متَّصل، تؤكِّد الدراسات العلمية على أنَّ مركبات PFAS – وهي مواد صناعية تُستخدم في مجموعة واسعة من العمليات الصناعية والمنتجات الاستهلاكية – تُسبب أضرارًا صحية خطيرة، بما في ذلك اضطرابات في الجهاز الهرموني، والكبد، والغدة الدرقية، والجهاز المناعي، إضافة إلى التأثير السلبي على الخصوبة. كما صُنّف بعضها، مثل PFOA وPFOS، على أنه مواد مسرطنة أو يُشتبَه بأنَّها مُسبِّبة للسَّرطان.
وفي 13 مارس الماضي، أَقرَّت الحكومة الإيطالية مرسومًا طارئًا، لا يزال قيد الدراسة في البرلمان، يهدف إلى خفض الحدود المسموح بها من مركَّبات PFAS في مياه الشرب، إضافة إلى فرض قيود جديدة على "حمض التريفلورو أسيتيك" (TFA)، وهو أحد مركبات PFAS الذي لم يكن خاضعًا لأي تنظيم سابق.
ويأتي هذا الإجراء التشريعي عقب النتائج الصادمة لتحقيق مستقل أجرته منظَّمة غرينبيس البيئية تحت عنوان "مياه بلا سموم"، بين سبتمبر وأكتوبر 2024، وأسفر عن إعداد أول خريطة وطنية لتلوّث المياه بمركَّبات PFAS. وكشفت نتائج البحث أن %79 من مياه الشرب في إيطاليا ملوثة بهذه المركبات، حيث أظهرت التحاليل أن 206 عَيِّنات من أصل 260 جُمعت من 235 مدينة في مختلف المناطق، تحتوي على مستويات خطيرة من هذه المواد السَّامَّة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق