رغم إنكارها الرسمي، تُعد إسرائيل من القوى النووية في العالم، وقد طوّرت برنامجها النووي سرًا منذ خمسينيات القرن الماضي، بمساعدة فرنسية، وسط صمت دولي ورفض للامتثال للمعاهدات الدولية.
فعلى الرغم من الإنكار الرسمي المتكرر، تُصنّف إسرائيل اليوم ضمن تسع دول فقط يُعتقد أنها تمتلك ترسانة نووية، إلى جانب الولايات المتحدة، روسيا، الصين، بريطانيا، فرنسا، الهند، باكستان، وكوريا الشمالية. وتشير تقديرات متطابقة إلى أن إسرائيل تمتلك نحو 90 رأسًا نوويًا، وتملك القدرة التقنية على إنتاج ما بين 200 و300 أخرى.
ويُعتقد أن إسرائيل قادرة على تحميل هذه الرؤوس على صواريخ بعيدة المدى، بالإضافة إلى تجهيز غواصات ومقاتلات قادرة على إطلاقها، ما يجعلها دولة نووية فعالة منذ عدة عقود.
منشأة ديمونا... نقطة البداية
تعود بدايات البرنامج النووي الإسرائيلي إلى أوائل الخمسينيات، بعد تأسيس الدولة العبرية بسنوات قليلة. ففي عام 1952، أنشئت «اللجنة الإسرائيلية للطاقة الذرية» برئاسة «إرنست ديفيد بيرغمان»، الذي رأى أن امتلاك إسرائيل للسلاح النووي هو الضمانة الوحيدة لعدم تكرار «محرقة» مماثلة لتلك التي وقعت خلال الحرب العالمية الثانية.
![]() |
موقع ديمونا النووي في صورة التقطتها الأقمار الصناعية عام 1971 |
ويُعتقد أن فرنسا لعبت دورًا محوريًا في تأسيس البرنامج، حيث ساعدت في بناء "منشأة ديمونا"، جنوب شرق البلاد، بالتعاون مع علماء وفنيين إسرائيليين، في سرية تامة حتى عن الحليف الأقرب، الولايات المتحدة. وعندما بدأت واشنطن تشك بالأمر في أواخر الخمسينيات، قدّمت تل أبيب تفسيرات متضاربة للمنشأة، واصفة إياها تارة بأنها مصنع نسيج، وتارة كمركز للأبحاث الزراعية أو المعدنية.
وفي عام 1960، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي حينها، «دافيد بن غوريون»، أمام الكنيست أن "ديمونا" هي منشأة نووية لأغراض «سلمية فقط» – وهو الادعاء ذاته الذي تسوقه إيران اليوم بشأن برنامجها النووي.
غير أن المعلومات المتوفرة ترجّح أن إسرائيل بدأت فعليًا إنتاج الرؤوس النووية بحلول منتصف الستينيات، وامتلكت ترسانة أولية بحلول نهاية ذلك العقد.
الاختبار والتسريبات والاعتقالات
حتى اليوم، لا توجد دلائل قطعية على أن إسرائيل أجرت اختبارات نووية علنية، رغم الاشتباه في وقوع ما يعرف بـ«حادثة فيلا» عام 1979، حين رصد قمر صناعي أمريكي ومضات ضوئية قوية قبالة سواحل جنوب أفريقيا، رجح خبراء أنها ناجمة عن اختبار نووي إسرائيلي بمساعدة من جنوب أفريقيا.
وفي عام 1986، كشف التقني النووي الإسرائيلي السابق «مردخاي فعنونو»، من خلال صحيفة Sunday Times البريطانية، صورًا من داخل مفاعل "ديمونا"، قدّرت على إثرها جهات بحثية امتلاك إسرائيل لأكثر من 100 رأس نووي حينها. لكن «فعنونو» اعتُقل لاحقًا في عملية نفذها «الموساد» في إيطاليا، وقُدّم للمحاكمة بتهمة الخيانة العظمى، حيث أُدين وسُجن 18 عامًا.
الامتناع عن الانضمام إلى معاهدة عدم الانتشار
إسرائيل، مثل الهند وباكستان وكوريا الشمالية وجنوب السودان، لم توقّع على معاهدة عدم الانتشار النووي التي ترعاها الأمم المتحدة. ووفقًا للمعاهدة، يُعترف فقط بالدول التي امتلكت سلاحًا نوويًا قبل عام 1967، وهي الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن. أما الدول الأخرى التي طوّرت أسلحة نووية بعد هذا التاريخ، فتُعد في حالة انتهاك للمعاهدة، ما يدفع بعضها – كإسرائيل – لعدم التوقيع عليها أساسًا.
سياسة «الغموض النووي»
تتّبع الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة سياسة تُعرف بـ«الغموض النووي»، حيث لا تؤكد ولا تنفي امتلاكها أسلحة نووية، ما يجعل هذا الغموض في حد ذاته جزءًا من استراتيجيتها الرادعة. ومنذ عقود، تُقر الولايات المتحدة ضمنيًا بوجود الترسانة النووية الإسرائيلية، لكنها تتجنب التعليق عليها علنًا. ففي عام 2011، رفض الرئيس الأمريكي آنذاك «باراك أوباما» الإجابة عن سؤال مباشر حول امتلاك إسرائيل لأسلحة نووية.
نشاطات حديثة في ديمونا
تشير صور الأقمار الصناعية الأخيرة إلى وجود أعمال إنشائية مكثفة داخل "منشأة ديمونا"، من دون وجود معلومات رسمية عن أهدافها. وتبقى التكهنات قائمة حول ما إذا كانت هذه الأشغال تهدف إلى تطوير البنية التحتية، أو توسيع القدرات النووية الإسرائيلية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق