كتابة: حسن أمحاش
الإيطالية نيوز، الأربعاء 4 يونيو 2025 – في تطوُّر لافت للانتباه ومثير للجدل، ألقى الرئيس الفرنسي «إيمانويل ماكرون» خطابًا حذَّر فيه من "التهديد الروسي المتصاعد"، معلنًا أن بلاده تدرس نشر السِّلاح النووي الفرنسي في أوروبا كجزء من "مظلَّة نووية" لحماية القارَّة الأوروبية من الخطر الروسي، مؤكِّدًا على أنَّ "مستقبل أوروبا لا ينبغي أن يُرسَم في واشنطن أو موسكو".
هذا التصعيد الفرنسي، الذي جاء في ظل تعثُّر الجيش الأوكراني ونقص كبير في عدد المقاتلين على الجبهات الشرقية، تزامن مع تقارير عن إرسال فرنسا وبريطانيا وألمانيا قوات إلى غرب أوكرانيا لسد الفراغ العسكري، في خطوة وصفها مراقبون بأنَّها نذير باشتعال أوسع للحرب وتحوُّلها إلى صراع ناري إقليمي مباشر بين روسيا والغرب.
وتشير التقارير الميدانية إلى خسائر فادحة في صفوف الجيشين الروسي والأوكراني. وقد اضطرَّت موسكو إلى الاستعانة بقوات من ميليشيات شيعية في العراق وسوريا واليمن، بالإضافة إلى مقاتلين من كوريا الشمالية، لتعويض النقص في قوَّاتها. من جانبها، تعاني أوكرانيا من استنزاف غير مسبوق لجنودها، ما دفع الدول الغربية إلى التفكير في التدخُّل البشري المباشر.
هذا الوضع يعزز منطق «ماكرون» بأنَّ أوروبا لم يعد بإمكانها الاعتماد على الولايات المتحدة التي تعتزم تقليص تدخُّلها في أوكرانيا، خاصة مع تعهُّدات الرئيس الأميركي «دونالد ترامب» بالانسحاب من دعم كييف بالاسلحة والمال.
لم تتأخر موسكو أكثر مما كنت أتوقعه، إذ سرعان ما ردّ الكرملين على تصريحات «ماكرون. إذ وصف وزير الخارجية الروسي «سيرغي لافروف» تصريحات سيد الإليزيه بأنها "تشبه خطب «هتلر» و«نابليون»"، فيما توعَّد الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» أوروبا بمصير مشابه لمصير «نابليون»، الذي انتهى منفيًا في جزيرة بعد هزيمته على يد تحالف روسي-بريطاني.
من جهته هو الأخر، الرئيس الروسي السابق «ديميتري ميدفيديف» ذهب أبعد من ذلك، متوعِّدًا «ماكرون» بـ"الاختفاء الأبدي"، في تصعيد لفظي يعكس حجم التوتُّر والاستعداد النفسي للحرب الكبرى.
أما من الناحية الغربية، نجد في الطليعة، فرنسا، بريطانيا، ألمانيا، بولندا، وأوكرانيا – جميعها الآن في حالة اصطفاف واضح ضد روسيا. ومع أنَّ أوروبا توصف غالبًا بالعجوز المتردِّدة، إلَّا أنها تملك قاعدة بشرية هائلة (أكثر من 500 مليون نسمة -هذا الرقم لا يعني مؤثر في الحرب إذا تنقصه العزيمة والثبات- مقابل 150 مليون في روسيا) وقدرات اقتصادية وصناعية جبَّارة، رغم افتقارها للوحدة السياسية والعسكرية.
ورغم أنَّ روسيا تبدو دولة موحَّدة وقوية على الورق، فإن استنزافها في أوكرانيا، وسحبها لقواتها من مناطق أخرى مثل سوريا، يظهر هشاشتها البنيوية، ويؤكِّد على أن قوتها لم تعد كما كانت.
في ظل الانسحاب الأميركي التدريجي من الملف الأوكراني، بدأت الدول الأوروبية تتأهب لتولي القيادة. فرنسا أعلنت عن تقديم مساعدات استخباراتية متقدِّمة لأوكرانيا، في وقت توقفت فيه واشنطن عن تزويد كييف بالمعلومات الأمنية منذ أيام.
في رأيي المتواضع، هذه التطوُّرات تجعل من الحرب في أوكرانيا أكثر من مجرد صراع حدودي. إنَّها معركة وجودية بين شرق وغرب، بين منظومتين، وتفتح بابًا مرعبًا لاحتمالات الانزلاق نحو حرب عالمية ثالثة يبقى الناجي فيها هو الأقوى، وهو من يحدد أسلوب ونمط حياة البشرية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق