من حلفاء إلى خصمين: بداية الانفجار
في أعقاب محاولة اغتيال فاشلة استهدفت «ترامب» في يوليو 2024 خلال تجمُّع انتخابي في "بنسلفانيا"، قدّم ماسك دعماً مطلقاً للرئيس آنذاك، فأنفق ملايين الدولارات لدعم حملته، واستخدم منصته "إكس" لترويج رسائله السياسية. البعض ذهب إلى حد اعتباره المستشار غير الرسمي للرئيس، قبل أن يتولى لاحقاً إدارة "وزارة الكفاءة الحكومية" (DOGE)، المكلفة بإعادة هيكلة الإنفاق العام.
إلا أن شهر العسل بين الطرفين انتهى سريعاً. في 28 مايو، أعلن «ماسك» انسحابه من منصبه، في خطوة جاءت مباشرة بعد انتقاده العلني لمشروع قانون إنفاق ضخم طرحته إدارة «ترامب». وعلى الرَّغم من أنَّ مهامه كانت محددة بسقف زمني لا يتجاوز عامًا، إلَّا أنَّ التوقيت فسّر على نطاق واسع كرسالة سياسية واضحة.
التصعيد العلني: شتائم وسياسات
في الثالث من يونيو، صعّد «ماسك» لهجته، وهاجم مشروع القانون، واصفاً إياه بـ"كومة من القَذارة المقزِّزة" التي تُهدِّد برفع عجز الميزانية الفيدرالية، وتقويض ما أنجزه خلال فترة عمله القصيرة في الوزارة. بدوره، «ترامب» لم يتأخَّر في الرد، وفي الخامس من يونيو نشر عبر منصته "تروث سوشال" بيانًا اتَّهم فيه «ماسك» بالدوافع الشخصية، مشيرًا إلى أنَّ اعتراضه على القانون يعود إلى تخفيضات ضريبية كانت مخصَّصة للسيارات الكهربائية، ما يمسُّ بشكل مباشر بمصالح "تسلا".
علاوة على ذلك، ذهب الرئيس الأمريكي إلى أبعد من ذلك، إذ أكَّد على أنَّه هو من طلب من «ماسك» التنحّي، نافيًا رواية الاستقالة الطوعية، وواصفًا هذا الأخير بأنه "مُرهَق ومُتعَب". كما ألمح إلى نية إلغاء العقود الحكومية والدعم المالي الممنوح لشركات «ماسك»، بما فيها "تسلا" و"سبيس إكس"، في ما بدا تهديدًا مباشرًا ومقصودًا.
ماسك يرد: ترامب لم يكن ليفوز من دوني
ماسك، المعروف بنزعته إلى المواجهة، خصوصاً عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لم يتراجع. فقد كتب أن «ترامب» "لم يكن ليفوز في الانتخابات من دون دعمه"، وتَطرَّق إلى موضوع حسَّاس بإيحائه لوجود روابط خفية بين «ترامب» ورجل الأعمال الراحل «جيفري إبستاين». كما أطلق استطلاعاً للرأي عبر "إكس" حول فكرة تأسيس حزب سياسي جديد، قائلاً: "هل آن الأوان لإنشاء حزب يمثل فعلاً 80% من الأمريكيين؟"، في خطوة فسّرها كثيرون على أنها تمهيد لمغامرة سياسية قادمة.
الأسواق تدفع الثمن
الصدام العنيف لم يتوقَّف عند حد التصريحات، بل امتدَّ إلى الأسواق المالية. أسهم "تسلا"، التي كانت أصلاً تعاني من ضغوط، هوت بنسبة وصلت إلى %19، ما أدى إلى خسائر فادحة تجاوزت 150 مليار دولار من القيمة السوقية للشركة. أما ترامب، فقد أشارت تقارير إعلامية – منها موقع "أكسيوس" – إلى أنه تكبّد خسائر شخصية تتجاوز مليار دولار نتيجة الانعكاسات الاقتصادية للنزاع.
وبينما تتردَّد أنباء عن مكالمة مرتقبة لمحاولة تهدئة الأجواء، لم يُعرف بعد ما إذا كان هذا التصدُّع قابلًا للترميم.
ما وراء الخلاف: المال والسياسة والولاء
الصراع العلني بين «ترامب» و«ماسك» يعكس بشكل صارخ هشاشة العلاقة بين السلطة السياسية والمال الخاص. تحالفهما الأولي كان يستند إلى تقاطع مصالح واضحة: رئيس مؤيِّد لسياسات الأعمال ورافض للرَّقابة، وملياردير متمرِّد على المؤسَّسات التقليدية. كلاهما يتقن لعبة الخطاب المباشر عبر الإنترنت، وكلاهما لا يتسامح مع النقد.
غير أنَّ لحظة الخلاف على مشروع القانون كشفت الفجوة العميقة: بالنسبة لـ «ترامب»، الولاء ليس خيارًا بل شرط، وأي اعتراض يُعتبَر خيانة شخصية. أمَّا «ماسك»، فرجل معتاد على الاستقلالية والقرار المنفرد، ولا يقبل الإملاءات، حتَّى من رئيس دولة بحجم الولايات المتحدة.
هل يكون لهذا الصدام ما بعده؟
تبقى الأسئلة مفتوحة: هل يترك هذا الخلاف أثرًا طويل الأمد على مسار السياسة الأمريكية؟ وهل يؤثِّر سلبًا على أجندة ترامب الاقتصادية؟ وهل يغامر ماسك فعلاً بخوض غمار العمل السياسي المباشر؟
مهما كانت الإجابة، المؤكد أن هذا الاشتباك ليس مجرَّد خلاف عابر، بل تجسيد حي للتوتُّر المتزايد بين رأس المال والسُّلطة في أمريكا المعاصرة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق