تمكنت المذكرة من تخطي الحد الأدنى المطلوب لجمع التوقيعات، والبالغ 72 توقيعا، حيث جمعت 74 توقيعا من نواب أوروبيين ينتمون لعدة تيارات، من بينها مجموعة المحافظين، "الوطنيون من أجل أوروبا"، "أوروبا الأمم ذات السيادة"، وعدد من النواب غير المنتمين لأي كتلة، إضافة إلى توقيع واحد من "حزب الشعب الأوروبي" (PPE).
ومن المنتظر أن يُعرض التصويت في الجلسة العامة للبرلمان الأوروبي في يوليو المقبل، رغم أن فرص نجاحه تُعد ضعيفة، نظرا لتعقيدات اللوائح الأوروبية التي تمنح المفوضية حماية مؤسساتية واسعة النطاق، لا مثيل لها في الأنظمة الديمقراطية الوطنية.
تفاصيل التوقيعات والخلفية
وقد وقع على المذكرة 32 نائبا من مجموعة "المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين" (ECR)، التي تضم في صفوفها نواب "إخوة إيطاليا"، و23 نائبا من مجموعة "أوروبا الأمم ذات السيادة" (ESN) التي نشأت بمبادرة من حزب "البديل من أجل ألمانيا"، إضافة إلى 4 من كتلة "الوطنيون من أجل أوروبا" (تمثلها "الرابطة" الإيطالية)، ونائب واحد من "حزب الشعب الأوروبي"، و14 نائباً غير منتمين لأي كتلة برلمانية.
وتستند المذكرة إلى الفضيحة المعروفة إعلاميا بـ"Pfizergate"، والتي تتعلق بطريقة إدارة فون دير لاين لصفقات شراء لقاحات "كوفيد-19" من شركة "فايزر" الأمريكية. وقد أثارت هذه القضية جدلاً واسعا بسبب التفاوض السري الذي أجرته «فون دير لاين» مباشرة عبر رسائل نصية مع الرئيس التنفيذي للشركة «ألبرت بورلا»، بشأن شراء 1.8 مليار جرعة من اللقاح بقيمة تُقدر بـ35 مليار يورو ضمن حزمة أوسع تبلغ 70 مليارا. ومع ذلك، لم يُستخدم سوى أقل من %20 من هذه الكمية فعليا. ورفضت المفوضية مرارا نشر تلك الرسائل، رغم مطالب الصحافة. وفي مايو الماضي، أصدرت "محكمة العدل الأوروبية" حكما لصالح الصحفية «ماتينا ستيفيس-غريدنييف» من "نيويورك تايمز"، بإلغاء قرار المفوضية الرافض للإفصاح عن محتوى الرسائل.
انقسامات داخل الكتل البرلمانية
أظهرت هذه المبادرة انقسامات حتى داخل مجموعة "المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين" نفسها، التي يقودها حزب "إخوة إيطاليا" و"القانون والعدالة" البولندي (PiS). ففي حين وقّع جميع نواب "القانون والعدالة" البولندي العشرين على المذكرة، أبدى «نيكولا بروكاتشيني»، الرئيس المشارك للمجموعة ونائب إيطالي، تحفظه بشأن توقيت وجدوى الخطوة، مشيرا إلى أن المذكرة تشمل كامل أعضاء المفوضية، بمن فيهم أولئك الذين رشّحتهم حكومات "المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين". وكتب في رسالة داخلية: «ألم يكن من الأجدر مناقشة هذه الخطوة داخل المجموعة قبل المضي فيها؟».
كما أن العلاقات الوثيقة بين رئيسة الوزراء الإيطالية «جورجا ميلوني» و«فون دير لاين» تُعقّد موقف نواب اليمين الإيطالي، خصوصا أن «رافاييل فيتو»، حليف «ميلوني»، يشغل منصباً مؤثرا في مؤسسات الاتحاد الأوروبي.
عراقيل مؤسساتية كبيرة
يُعد إسقاط المفوضية الأوروبية عبر تصويت سحب الثقة أمرا بالغ الصعوبة من الناحية المؤسساتية. فوفقا للنظام الداخلي، يتطلب تمرير مثل هذه المذكرة موافقة ما لا يقل عن ثلثي الأصوات المُعبّر عنها (دون احتساب الامتناعات)، إضافة إلى تحقيق الأغلبية المطلقة من إجمالي عدد النواب البالغ حاليا 720 نائبا، أي ما لا يقل عن 361 صوتا مؤيدا.
ورغم أن الامتناع عن التصويت يُقلل من عدد الأصوات المُعبّر عنها وبالتالي يُخفض عتبة الثلثين، إلا أنه لا يؤثر على شرط الأغلبية المطلقة، بل يجعله أصعب. ويُعد هذا الشرط ضمانة قوية لاستقرار الجهاز التنفيذي للاتحاد الأوروبي، وتفوق في صلابتها الضمانات الممنوحة لأي حكومة في الأنظمة البرلمانية التقليدية.
كما تفرض القواعد مهلة لا تقل عن ثلاثة أيام بين تقديم المذكرة والتصويت عليها، ما يمنح الكتل البرلمانية الوقت الكافي لإعادة ترتيب صفوفها والتأثير على النواب المترددين.
وبهذه العوامل مجتمعة، يصبح إسقاط المفوضية الأوروبية فعليا مهمة شبه مستحيلة؛ إذ لم تنجح أي مذكرة سحب ثقة سابقة في اجتياز العتبتين المطلوبتين معا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق