وتشمل الخطَّة إنشاء مبانٍ جديدة لاستيعاب النُّزلاء، وتوسيع السجون القائمة، وتسريع إجراءات الإفراج المبكِّر، إلى جانب تقديم فرص حقيقية لإعادة تأهيل السجناء المدمنين على المخدِّرات أو الكحول. وتأتي هذه الإجراءات في ظل معدل اكتظاظ يفوق %130 في المتوسِّط، ويصل في بعض المؤسَّسات إلى ما يقارب %200، ما دفع الحكومة إلى تبنِّي تدابير اعتبرتها "طارئة"، بينما حذَّرت منظَّمات حقوقية من أنَّها ستُثبِت مُجدَّدًا عدم جدواها، كما حدث في مرّات سابقة عند التركيز على الحلول الإنشائية من دون معالجة الأسباب الجذرية للأزمة.
بدائل علاجية للسجناء المدمنين
وقد أقر مجلس الوزراء مشروع قانون يتيح نقل السجناء المدمنين – ممن تبقَّى لهم أقل من ثماني سنوات لقضاء العقوبة (أو أربع سنوات في حالات الخطورة الاجتماعية) – إلى منشآت علاجية اجتماعية وصحية، وهي مراكز موجودة بالفعل ضمن المنظومة القضائية. وأثار الإعلان تساؤلات حول طبيعة هذه المنشآت الجديدة، إلى جانب مخاوف من احتمالية خصخصة جزئية للسجون، عبر إسناد إدارتها إلى جهات خاصة، على غرار ما هو معمول به في مراكز الاحتجاز والترحيل.
تعديلات تنظيمية واستثمارات ضخمة
وبمبادرة من وزير العدل «كارلو نورديو»، وافق المجلس على تعديل المرسوم الرئاسي رقم 230 الصادر في 30 يونيو 2000، لتسريع إجراءات الإفراج المبكِّر، وزيادة عدد المكالمات الهاتفية المسموح بها أسبوعيًا وشهريًا. وتشمل الخطة للأعوام 2025-2027 تنفيذ 60 مشروعًا في مجال البنية التحتية للسجون، بينها 3 مشاريع مكتملة، و27 قيد التنفيذ، و30 أخرى في طور الإطلاق. وتهدف الحكومة من خلال هذه الأعمال إلى إضافة 3,716 مكانًا جديدًا عبر التوسعة، و5,980 مكانًا عبر الترميم والصيانة، ما يرفع القدرة الاستيعابية الإجمالية بمقدار 9,696 مكانًا.
وقالت رئيسة الوزراء «جورجا ميلوني» إنَّ إجمالي الاستثمارات في هذا الإطار يتجاوز 750 مليون يورو، مؤكًّدة: “نعمل على توفير خمسة آلاف مكان إضافي، لتقليص الفجوة بين عدد السجناء والأماكن المتاحة. ففي السابق، كانت القوانين تُعدَّل لتناسب الطاقة الاستيعابية للسجون، أما نحن فنؤمن بأنَّ الدولة العادلة يجب أن توسِّع قدرتها لاستيعاب من صدرت بحقهم أحكام بالسجن.”
وتأتي هذه الخطوة تماشيًا مع توجُّهات الحكومة، التي وسَّعت في السنوات الأخيرة قائمة الجرائم المعاقب عليها بالحبس وشدَّدت العقوبات بموجب مراسيم مثل «مرسوم كوترو» و«مرسوم الأمن»، في ما اعتبرته «ميلوني» «ضمانًا لحتمية تنفيذ العقوبة». وتشمل الخطة أيضًا تعيين ألف عنصر إضافي من الشرطة السجنية ضمن موازنة الدولة المقبلة.
أزمة متفاقمة بالأرقام
يُشار إلى أنَّ عدد السجون في إيطاليا يبلغ 190 مؤسسة، بطاقة استيعابية نظرية تصل إلى 51,300 نزيل، في حين بلغ عدد السجناء الفعليين حتى 30 يونيو 2025 نحو 62,728. وتشير منظمة "أنتيغوني" لحقوق السجناء إلى وجود أكثر من 4,000 مكان غير صالح للاستخدام، ما يجعل عدد السجناء الزائد عن الطاقة الاستيعابية يصل إلى قرابة 16 ألفًا، بنسبة اكتظاظ تتجاوز %130.
وبحسب التقرير، فإن 47,302 من هؤلاء السجناء يقضون عقوبات نهائية، بينما 9,307 منهم محتجزون احتياطيًا بانتظار المحاكمة، و5,776 آخرون بانتظار الأحكام النهائية. كما أن ثلث النزلاء (21,490) محتجزون على خلفية جرائم مرتبطة بالمخدرات.
وخلال عام 2024، سُجّّلت 91 حالة انتحار داخل السجون، وهو الرقم الأعلى على الإطلاق، فيما سُجّل حتى منتصف 2025 نحو 44 حالة انتحار. كما أظهرت بيانات العام الماضي أن معدل العود للجريمة بلغ %60، ما يعكس فشل النظام العقابي في تحقيق أهدافه الإصلاحية.
انتقادات حادة للخطة الحكومية
وفي هذا السياق، انتقد رئيس منظمة "أنتيغوني"، «باتريتسيو غونيلّا»، لجوء الحكومة إلى الحلول الإنشائية مجددًا، معتبرًا أن "الاعتماد على البناء لحل أزمة السجون مجرَّد حيلة قديمة قد تؤدّي إلى تفاقم الوضع"، لافتًا إلى أن عدد السجناء ازداد بنحو 5,000 خلال السنوات الثلاث الماضية، ومن المتوقَّع أن يستمر في التصاعد، ما يجعل الخطط الحالية غير كافية بحلول 2027.
وأضاف «غونيلّا» أن العديد من أماكن الاحتجاز الجديدة ستُقام في حاويات (كونتينرات)، وهي منشآت غير ملائمة للاحتجاز طويل الأمد، وغالبًا ما تستخدم فقط في حالات الطوارئ. كما أعرب عن قلقه من عدم وجود خطة واضحة لتأمين الكوادر اللازمة لتشغيل المنشآت الجديدة، في ظل النقص الحاد في الموظفين بمختلف الفئات: من مديرين ومعلمين، إلى أطباء ونفسيين وأخصائيين اجتماعيين وإداريين.
وختم «غونيلّا» بالقول: “يبدو أن الحكومة تنظر إلى السجون باعتبارها أماكن لحجز الأجساد فقط، دون أي رؤية إنسانية أو حديثة لمعنى العقوبة”.
حلول مكلفة وغير مجدية
وقد خَلُصت تقارير سابقة لمنظمة "أنتيغوني" إلى أنَّ اللُّجوء للبناء كحل طارئ لمشكلة الاكتظاظ، منذ العام 2000، أثبت فشله بسبب سرعة امتلاء الأماكن الجديدة. كما أبدت محكمة المحاسبات تَحفُّظاتها على هذه الاستراتيجية، مشيرةً إلى أن الإنفاق الكبير لم يُسفِر عن تحسُّن ملموس في ظروف السجناء، نتيجة التسارع في استنزاف الطاقة الاستيعابية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق