«عبد الله»، البالغ من العمر 74 عامًا، يُعَدُّ أحد أقدم السجناء السياسيين في أوروبا، وقد أُدين بتهم تتعلَّق بالمشاركة في عمليات مسلَّحة نُسبت إلى "الفصائل المسلَّحة الثورية اللبنانية"، التي شارك في تأسيسها مطلع الثمانينيات، وهي تنظيم ماركسي مناهض للإمبريالية، وارتبط إسمه بسلسلة من الهجمات استهدفت شخصيات دبلوماسية أمريكية وإسرائيلية في فرنسا، في ظل تصاعد الصراع العربي-الإسرائيلي وغزو إسرائيل لجنوب لبنان آنذاك.
خلفية القضية
تعود بداية قضية «عبد الله» إلى عام 1984، عندما لجأ إلى مركز شرطة في مدينة "ليون" مُدَّعيًا أنَّه ملاحَق من قبل جهاز "الموساد" الإسرائيلي. إلَّا أنَّ السلطات الفرنسية كانت تتعقَّبه بدورها، بعد العثور على متفجرات بحوزة أحد المشتبهين على الحدود الإيطالية واليوغوسلافية، والذي أوصل التحقيقات إلى إسمه. جرى توقيفه ووُجِّهت إليه لاحقًا اتِّهامات بحيازة أسلحة ومتفجِّرات واستخدام وثائق مزوَّرة، وصدر بحقه حكم بالسِّجن لمدَّة أربع سنوات عام 1986.
لكن القضاء الفرنسي عاد في عام 1987 ليحاكمه مجدَّدًا بتهم التواطؤ في اغتيال دبلوماسيين؛ هما الملحق العسكري الأمريكي «تشارلز آر. راي»، والمستشار في السفارة الإسرائيلية بباريس «يعقوب بار سيمانتوف». وعلى الرغم من غياب الأدلة الحاسمة، حُكم عليه بالسِّجن المؤبَّد، وسط ضغوط أمريكية وصفت الحكم الأوَّل بأنه "متساهل"، ومناخ إعلامي وقضائي مشحون ساهم في تصوير «عبد الله» كعدو للدولة، على خلفية انتمائه السياسي ودعمه للمقاومة الفلسطينية.
ورغم أن مُنفِّذي بعض التفجيرات التي نُسبت إلى «عبد الله» قد تم تحديد هويتهم لاحقًا كمقاتلين مقرَّبين من إيران، ظلَّ «عبد الله» خلف القضبان، من دون أن تُعاد محاكمته، ومن دون أن تُؤخَذ هذه المعطيات في الاعتبار. وقد أقرّ القاضي الفرنسي السابق في قضايا الإرهاب، «آلان مارسو»، في وقت لاحق، بأنَّ الحكم على «عبد الله» جاء نتيجة أفعال "لم يرتكبها".
رفض التوبة وتمسك بالموقف السياسي
منذ عام 1999، كان من المفترض أن يُطلَق سراح «عبد الله»، لكنَّه رفض التوقيع على أي تعهُّدات أو "إبداء ندم"، متمسِّكًا بمواقفه السياسية المناهضة للهيمنة الغربية والداعمة للمقاومة الفلسطينية. في أكثر من 25 طلبًا قضائيًا للإفراج المشروط، أُقرَّت بعض المحاكم بحقِّه في الخروج من السِّجن، لكنها اصطدمت برفض سياسي صريح، تمثل آخره عام 2013 عندما رفض وزير الداخلية آنذاك، «مانويل فالس»، توقيع قرار الترحيل إلى لبنان.
وثائق كشفتها "ويكيليكس" لاحقًا بيَّنت أن وزيرة الخارجية الأمريكية آنذاك، «هيلاري كلينتون»، تدخلت شخصيًا عبر مكالمة هاتفية مع نظيرها الفرنسي «لوران فابيوس» لمنع تنفيذ قرار الإفراج، ما أدَّى إلى استمرار حبس «عبد الله» 12 عامًا إضافية.
القرار الأخير والترحيل
في فبراير 2025، أبدت المحكمة استعدادها لمنح الإفراج المشروط بشرط مغادرته الأراضي الفرنسية، وهو ما قوبل في البداية باستئناف من النيابة. لاحقًا، وبعد مفاوضات معقَّدة، وافق الدفاع على تخصيص مبلغ 16 ألف يورو كتعويض رمزي للضحايا. لكن النيابة العامة رأت أن ذلك غير كافٍ، وطالبت بما وصفته بـ"علامة على التوبة"، وهو ما رفضه «عبد الله» بشدة.
محاميه، «جان-لويس شالانسيه»، علّق قائلًا: "لا يوجد في القانون الفرنسي شيء إسمه التوبة. قُلتُ للقضاة: إما أن تطلقوا سراحه أو تحكموا عليه بالموت". المحكمة اقتنعت أخيرًا، وأمرت بإطلاق سراح «عبد الله» فورًا مع ترحيله إلى لبنان، الذي طالما طالب باستعادته واستعد لاستقباله رسميًا.
«عبد الله»، الذي امتلأت زنزانته بأكوام من الصحف والرسائل من داعمين من حول العالم، طوى آخر صفحة في سجنه، وأنزل علم «تشي غيفارا» الأحمر المعلَّق على الحائط، تمهيدًا لنقله إلى مطار "رواسي" العسكري، ومنه إلى بيروت.
مخاوف أمنية وتنديد إسرائيلي
في ظل الإفراج عنه، أعرب فريق الدفاع عن مخاوف من استهدافه من قبل إسرائيل عقب وصوله إلى لبنان، مشيرين إلى إمكانية تنفيذ عملية اغتيال بطائرة مسيرة. "إذا حدث ذلك، فسيلقى «عبد الله» حتفه كمناضل، على أرض حرة"، قال محاميه.
من جانبها، لم تُصدر إسرائيل موقفًا رسميًا خلال الإجراءات القضائية، لكنها أعربت عن "أسفها" للإفراج، وجاء في بيان لسفارتها في باريس: "الإرهابيون، أعداء العالم الحر، يجب أن يمضوا حياتهم خلف القضبان".
ختامًا
بينما تواصل إسرائيل عملياتها العسكرية في غزة، وسط اتهامات بارتكاب "تطهير عرقي"، يغادر جورج عبد الله السجن دون أن يبدّل قناعاته. وسيواصل، كما يؤكِّد مناصروه، رفع صوته دفاعًا عن فلسطين، مؤمنًا أن "الإرهاب الحقيقي هو من يحتل ويقمع ويقتل بلا محاسبة".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق