وأعلنت هيئة القضاة الثلاثية في الدائرة التمهيدية الأولى (هيئة القضاة التي اصدرت الحكم تتألَّف من ثلاثة قاضيات: السيدة «سوكورو فلوريس لييرا» (Socorro Flores Liera)، دبلوماسية مكسيكية بارزة ومعروفة بخبرتها في القانون الدولي وحقوق الإنسان؛ «إيوليا موتوك» (Iulia Motoc)، وأستاذة رومانية جامعية مرموقة في القانون الدولي وحقوق الإنسان، وتُعد من أبرز الشخصيات القانونية الأوروبية في مجالات العدالة الدولية والقانون الدستوري؛ «رين ألپيني-غانسو» (Reine Alapini-Gansou) هي قاضية بنينية وواحدة من أبرز الشخصيات القانونية في إفريقيا في مجالات حقوق الإنسان والقانون الدولي. تتمتع بمسيرة مهنية طويلة في مجال العدالة الدولية وحماية حقوق الإنسان في القارة الإفريقية.)، بالإجماع، أنَّ روما لم تُبدِ العناية الواجبة ولم تستخدم جميع الوسائل المعقولة المتاحة لها للامتثال لطلب التعاون الصادر عن المحكمة. كما رفضت المحكمة المبرِّرات التي قدَّمتها الحكومة الإيطالية بشأن ترحيل «نجيم أسامة» إلى ليبيا، ووصفتها بأنَّها «محدودة وضعيفة للغاية».
ورغم إثبات المخالفة، قرَّرت المحكمة عدم إحالة القضية فورًا إلى جمعية الدول الأطراف أو إلى مجلس الأمن، مُفضِّلةً منح الحكومة الإيطالية مهلة حتَّى 31 أكتوبر الجاري لتقديم إيضاحات ووثائق إضافية تتعلَّق بأي إجراءات قضائية داخلية مرتبطة بالقضية، بينها الملفَّات الخاصَّة بالتحقيق مع الوزراء «كارلو نورديو»، «ماتيو بيانتيدوزي»، و «ألفريدو مانتوفانو»، الذين جرى إسقاط الملاحقات عنهم بعد رفض البرلمان الإيطالي الإذن بمقاضاتهم.
وجاء في وثيقة المحكمة أنَّ السلطات الإيطالية لم تُقدِّم أي مبرِّر قانوني مُقنِع أو تفسير معقول لنقل «المصري» إلى ليبيا من دون التشاور المسبق مع المحكمة أو محاولة تصحيح الخَلل في إجراءات التوقيف. وأضافت القاضيات أن تذرّع روما بدوافع أمنية أو بمخاوف من أعمال انتقامية لم يكن كافيًا لتبرير سلوكها، مشيراتٍ إلى أنَّ اختيارها نقله جوًّا إلى ليبيا يظلُّ “غير مفهوم”.
كما شدَّدت المحكمة على أنَّ المسائل القانونية الداخلية لا يمكن استخدامها ذريعة لعدم التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية، مُذكِّرةً بأنَّ الحكومة الإيطالية تجاهلت اتِّصالات متكرِّرة من المحكمة ولم تًسْعَ إلى حلّ العقبات المتعلِّقة بأمر التوقيف أو بطلب التسليم اللِّيبي الموازي.
من هو اللواء اللِّيبي «نجيم أسامة»؟
اللواء الليبي «نجيم أسامة»، الذي تُلَقِّبه منظَّمات حقوقية بـ«جلاد طرابلس»، كان متَّهمًا بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية تتعلَّق بما يحدث داخل السُّجون اللِّيبية. أوقف في مدينة «تورينو» بتاريخ 19 يناير الماضي بعد مذكِّرة توقيف سِرِّية صادرةً عن المحكمة الجنائية الدَّولية عبر «الإنتربول».
لكن محكمة الاستئناف في روما اعتبرت التَّوقيف «غير قانوني»، موضِّحةً أنَّ الشُّرطة الإيطالية لا تملك صلاحية التنفيذ من دون إذن مُسبَق من وزير العدل كما تنصُّ اتِّفاقيات التعاون مع المحكمة. الوزير «كارلو نورديو» امتنع عن إصدار الإذن مع حُجَّة أن المذكِّرة وردت بالإنجليزية فقط واحتوت على “عيوب شكلية” منعت تنفيذها فورًا.
وبعد أيَّام، أفرجت السلطات عن رئيس الشرطة القضائية الليبية، وأصدر وزير الداخلية «ماتيو بيانتيدوزي» قرارًا بطرده من البلاد لاعتباره «شخصًا خطيرًا»، مع منعه من دخول الأراضي الإيطالية لمدَّة 15 عامًا. وجرى ترحيله إلى ليبيا على متن طائرة تابعة لجهاز المخابرات الإيطالي.
تداعيات سياسية داخلية
القضية تسبَّبت في أزمة سياسية داخل الحكومة الإيطالية. فقد فتح قاضي التحقيق في قضايا الوزراء ملفًّا ضدَّ «نورديو» و «بيانتيدوزي» و «مانتوفانو» - في أغسطس الماضي تَقرَّر إسقاط التُّهم عن رئيسة الوزراء «جورجا ميلوني» - بتهم عرقلة العدالة، واستغلال المنصب، والإهمال الوظيفي، بناءً على شكوى من المحامي «لويدجي لي غوتّي». لكن في 9 أكتوبر، رفضت مجلس النواب الإيطالي السَّماح بمحاكمتهم، بعد تصويت أغلبية الائتلاف الحاكم ضد الإذن بالملاحقة، ما أدَّى عمليًا إلى إغلاق القضية ضدَّهم، فيما تستمر التحقيقات بحقِّ رئيسة ديوان وزارة العدل، «جوزي بارتولوتشي»، أمام نيابة روما.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق