فبالنسبة إلى «الحزب الديمقراطي»، تمثّل نتائج انتخابات «كالابريا» تأكيدًا إضافيًا على تراجع ما يُعرَف بـ«تأثير شلاين» — أي الأثر الإيجابي المفترض للنهج الجديد الذي تتبنّاه الأمينة العامة «إيلي شلاين»، والتي تتولّى قيادة الحزب منذ أكثر من عامين ونصف. وحتّى إن كان ذلك الزَّخم موجودًا في البداية، فقد تلاشى الآن تمامًا.
ووفقًا للتقديرات الأولية غير النهائية، حصل «الحزب الديمقراطي» في كالابريا على نسبة تتراوح بين 14 و14.5 في المئة من الأصوات، أي بزيادة طفيفة تبلغ نحو نقطة مئوية واحدة مقارنة بالانتخابات الإقليمية لعام 2021، حين نال 13.2 في المئة.
تولَّت «إيلي شلاين» منصب الأمينة العامة للحزب الديمقراطي في فبراير 2023، عقب الخيبة الكبيرة التي مُني بها الحزب بقيادة «إنريكو ليطّا» في الانتخابات التشريعية في سبتمبر من العام السابق، وهي الانتخابات التي فاز فيها اليمين الحاكم حاليًا.
لكن حتّى في تلك المناسبة، لم يُحقّق الحزب في «كالابريا» سوى نتيجة مشابهة تقريبًا، إذ حصل على 14.4 في المئة من الأصوات، وهي نسبة لا تختلف كثيرًا عن نتائج الانتخابات الإقليمية الحالية. وحدها انتخابات البرلمان الأوروبي لعام 2024 سجّلت ارتفاعًا طفيفًا في تأييد الحزب، بلغ 15.9 في المئة.
🔴 REGIONALI CALABRIA, PROIEZIONI OPINIO PER RAI#RegionaliCalabria #maratonaYoutrend pic.twitter.com/q4VhiWr51A
— Youtrend (@you_trend) October 6, 2025
وبطبيعة الحال، تخضع الانتخابات الإقليمية لعوامل محلية متعدِّدة تؤثّر على نتائجها. فالقائمة الانتخابية للحزب الديمقراطي هذه المرَّة ينبغي أن يُضاف إليها — ولو جزئيًا — ما حصدته قائمة «الديمقراطيين التقدُّميين» التي نالت 4.6 في المئة من الأصوات. غير أن هذه القائمة تضمُّ في صفوفها عددًا كبيرًا من الشخصيات المحسوبة على الجناح الأكثر اعتدالًا داخل الحزب، أو ما يمكن تسميتهم بـ«غير المتأثرين بخط شلاين»، إلى جانب مرشَّحين من الحزب الاشتراكي أو من المنتمين سابقًا إلى التيار الرينسي. ومع ذلك، فإن معظم هؤلاء كانوا قد خاضوا انتخابات عام 2021 ضمن قوائم أخرى.
بوجه عام، وباستثناء بعض التفاوتات الطفيفة، ومع الأخذ في الاعتبار اختلاف الأنظمة الانتخابية بين اقتراع وأخر، يمكن القول إنَّ «الحزب الديمقراطي» في «كالابريا» ظلّ في موقعه تقريبًا من دون تَغيُّر يُذكَر.
فبين عامي 2021 و2024، ظلَّ عدد الأصوات التي حصل عليها الحزب في الإقليم مستقرًّا نسبيًا، متراوحًا بين 100 و103 آلاف صوت. وتشير التقديرات إلى أن الحصيلة النهائية هذه المرة ستكون قريبةً من تلك الأرقام، أو أقل قليلًا بسبب انخفاض نسبة المشاركة في التصويت.
اللّافت أنّ هذا المستوى من التأييد ليس جديدًا؛ ففي الانتخابات التشريعية لعام 2018، حين كان الحزب لا يزال بقيادة «ماتّيو رينسي»، حقّق في «كالابريا» النسبة نفسها تقريبًا — 14.4 في المئة.
ويبدو أن هذه النسبة باتت تشكّل السَّقف الثابت تقريبًا لشعبية «الحزب الديمقراطي» في الإقليم، من الصعب تجاوزها أو تغييرها في الوقت الراهن.
تراجع الزخم الذي رافق قيادة «إيلي شلاين» لا يقتصر على «كالابريا» فحسب، بل يمتد إلى مناطق أخرى من إيطاليا. ففي إقليم «ماركي»، مثلًا، حصل الحزب الديمقراطي الأسبوع الماضي على 22.5 في المئة من الأصوات، يُضاف إليها جزء من نسبة الـ7 في المئة التي حصدتها القائمة الشخصية لمرشح يسار الوسط «ماتّيو ريتشي»، والتي ضمَّت عددًا من قيادات الحزب المحليين.
ورغم أن هذه النتيجة تُمثِّل تحسُّنًا طفيفًا مقارنة بنسبة 20.3 في المئة التي حقَّقها الحزب في الانتخابات التشريعية لعام 2022 — والتي كانت من أسوأ نتائجه الأخيرة — فإن الحزب عاد عمليًا إلى مستواه التقليدي في المنطقة، إذ نال 25.1 في المئة في الانتخابات الإقليمية لعام 2020، و25.5 في المئة في انتخابات البرلمان الأوروبي عام 2024.
وفي كلٍّ من «ليغوريا» و «أومبريا»، خلال الانتخابات الإقليمية التي جرت بين أكتوبر ونوفمبر 2024، حقَّقت قوائم «الحزب الديمقراطي» ارتفاعًا واضحًا في نسب التأييد، سواء مقارنة بالانتخابات الإقليمية السابقة أو بنتائج الحزب في انتخابات البرلمان الأوروبي التي جرت قبلها بعدة أشهر. لكن في أولى الانتخابات الإقليمية لعام 2025 — والتي ستُستكمل في أربع مناطق أخرى حتى نهاية الخريف — تراجع ذلك الزخم بشكل ملموس.
من جهته، مُنيت حركة «خمس نجوم» بخيبة أمل كبيرة، سواء على صعيد الأصوات أو من حيث تداعيات النتيجة في «كالابريا» التي أبطلت فعليًا أحد أهم روافعها الدعائية. فقد كان قادة الحزب بزعامة «جوزيبّي كونتي» يردِّدون أن ما يُعرف بـ«التحالف الواسع» — أي التكتل التقدُّمي الذي يرتكز بالأساس على التعاون بين «الحزب الديمقراطي» وحركة «خمس نجوم» — لا ينجح في الانتخابات الإقليمية إلا عندما يُرشِّح شخصية من داخل الحركة، أو مرشَّحًا مستقلًا بعيدًا عن البنية التقليدية ليسار الوسط.
في «سردينيا» و «أومبريا» — وهما الإقليمان الوحيدان اللَّذان تَمكَّن فيهما «التحالف الواسع» من انتزاع السلطة من اليمين — كانت المرشحتان من خارج الإطار التقليدي للحزب الديمقراطي: فقد فازت في «سردينيا» «أليسّاندرا تودّيه»، وكيلة الدولة السابقة عن حركة «خمس نجوم»، بينما قادت في «أومبريا» «استيفانيا بروييتّي»، الرئيسة السابقة لبلدية «أَسّيزي»، المعروفة بانتمائها إلى التيار الكاثوليكي المسالم.
وعلى النقيض من ذلك، خسر التحالف في «ليغوريا» حين رشّح «أندريا أورلاندو»، وفي «ماركي» مع «ماتّيو ريتشي» — وكلاهما من قيادات الحزب الديمقراطي — وهما المثالان الأحدث على محدودية فاعلية هذا النموذج عندما يقوده مرشَّح من داخل الحزب.
أما في «كالابريا»، فكان المرشح «باسكوالي تريديكو» شخصية ذات وزن سياسي معتبر؛ إذ شغل سابقًا رئاسة المعهد الوطني للضمان الاجتماعي (INPS)، ويُعدّ من المقربين من «جوزيبّي كونتي». وقد اكتسب شهرة واسعة بعد إشرافه على تنفيذ برنامج «دخل المواطنة» الذي كان أحد أبرز مشاريع حكومة «كونتي». كما أنه يشغل مقعدًا في البرلمان الأوروبي منذ عام 2024، بعدما حصل آنذاك على نحو 120 ألف صوت.
Con la sconfitta di Tridico Partito Democratico e Movimento 5 Stelle perdono l’undicesima elezione regionale in cui corrono insieme#RegionaliCalabria #maratonaYoutrend pic.twitter.com/gpgxK1PWAx
— Youtrend (@you_trend) October 6, 2025
وعليه، فإن هزيمته تُوجّه ضربة قوية للطرح السياسي والدعائي الذي تبنّته قيادة حركة «خمس نجوم»، والقائل بأن فرص نجاح «التحالف الواسع» لا تتحقَّق إلَّا عندما يكون المرشَّح من صفوفها أو من خارج النواة التقليدية ليسار الوسط.
في الأيام التي سبقت الاقتراع، حاول نواب حركة «خمس نجوم» التخفيف من وقع التوقعات السلبية عندما سُئلوا عن احتمال الهزيمة، مشيرين إلى أنه من دون ترشيح «باسكوالي تريديكو» كانت النتيجة قد تكون أسوأ بكثير. غير أن الهزيمة جاءت قاطعة، بفارق يقارب عشرين نقطة مئوية.
وأشار بعضهم أيضًا إلى أن التحالف مع «الحزب الديمقراطي» حال دون قدرة الحركة في «كالابريا» على التركيز — وبالقدر نفسه من الحدة — على القضايا القضائية المتعلقة بخصمهم «روبيرتو أوكيوتو»، الذي يخضع لتحقيق بتهمة الفساد.
لكن ذلك لم يكن السبب الوحيد للانتكاسة. فحركة «خمس نجوم» طالما اشتكت من صعوبة تحفيز ناخبيها على دعم مرشَّح لا يمثل الحركة مباشرة. ومع ذلك، وبرغم أن «تريديكو» يُعدّ من الشخصيات المحبوبة لدى القاعدة الشعبية للحركة، فإنَّ النتائج جاءت مخيِّبة للآمال؛ إذ لم تتجاوز نسبة الأصوات التي حصلت عليها الحركة 6.5 في المئة، وهي نسبة تكاد تتطابق مع تلك التي حقَّقتها في الانتخابات الإقليمية لعام 2021 (6.48 في المئة).
🇮🇹 Proiezioni 4 – Liste – Elezioni Regionali Calabria 2025
— SWG (@swg_research) October 6, 2025
Continuate a seguirci per i prossimi risultati sul nostro canale X e in diretta su @TgLa7 #maratonamentana pic.twitter.com/CgDeElxOeD
وكانت الحركة آنذاك أيضًا جزءًا من «التحالف الواسع» إلى جانب الحزب الديمقراطي، دعمًا للمرشَّحة المستقلَّة «أماليا بروني»، المقرَّبة من يسار الوسط.
أمَّا المُعطى السياسي الثالث الذي أفرزته هذه الانتخابات الإقليمية، فهو تقدُّم الأحزاب الأكثر اعتدالًا داخل كلا المعسكرين.
ففي صفوف يسار الوسط، حقق «الحزب الديمقراطي» نتيجة تفوق بأكثر من الضعف ما حصدته حركة «خمس نجوم»، رغم أن المرشَّح للرئاسة كان من الحركة نفسها. كما نالت حركة «إيطاليا فيفا» بزعامة «ماتّيو رينسي»، ذات التوجُّه الوسطي، نحو 4.5 في المئة من الأصوات، أي أكثر بنقطة مئوية واحدة من تحالف «اليسار والخضر»، الذي يُعدّ الجناح الأكثر يسارية داخل التحالف.
أمَّا في معسكر اليمين، فكان الحزب المتصدر «فورتسا إيطاليا»، وهو الأكثر اعتدالًا بين أحزاب الائتلاف، إذ حصد نحو 17.5 في المئة من الأصوات — وهي نتيجة لافتة بحد ذاتها، وتزداد أهميتها بالنظر إلى أن القائمة الشخصية للمرشح الفائز «روبيرتو أوكيوتو» حصدت وحدها 13 في المئة.
في المقابل، حصل حزب «إخوة إيطاليا» وحزب «الرابطة» (ليغا) على نسب متقاربة، تجاوز الأول بالكاد 10 في المئة، فيما جاء الثاني بقليل من دون هذا الحد. وتُعتبر هذه نتيجة جيِّدة نسبيًا لـ«الرابطة»، وأقل إيجابية لـ«إخوة إيطاليا»، الذي كان قد حقَّق في الانتخابات التشريعية لعام 2022 نحو 25 في المئة من الأصوات في «كالابريا»، مقابل ما يقارب 9 في المئة فقط في الانتخابات الإقليمية لعام 2021.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق