ووفقًا لهيئة الأركان الأوكرانية، أسفرت الضربات عن سلسلة انفجارات وحرائق، وألحقت أضرارًا بالبنية التحتية اللوجستية للصناعات العسكرية الروسية. من جانبها، أقرَّت السلطات الروسية بتعرُّضها لـ«هجوم على 14 منطقة» بينها مناطق مطلَّة على البحرين «الأسود» و «آزوف»، لكنَّها أكَّدت على أنَّ الدفاعات الجوية تمكَّنت من اعتراض 251 طائرة مُسيَّرة.
وأوضح «غليب نيكيتين»، حاكم منطقة «نيجني نوفغورود»، أنَّ مصنع الذخيرة لم يتكبَّد أضرارًا جسيمةً، مشيرًا إلى أنَّ الدفاعات الروسية نجحت في تحويل مسار الطائرات المُسيَّرة نحو مناطق صناعية غير مأهولة. في المقابل، أفادت مصادر روسية بأنَّ محطة نفطية في «القرم» أصيبت بشكل مُباشِر، ما أدَّى إلى اندلاع حريق، في حين أكَّدت أوكرانيا على أنَّ الهدف من الهجوم هو زيادة الضغط على موارد الطاقة الروسية.
ويأتي هذا التصعيد ضمن استراتيجية أوكرانية متكرِّرة تستهدف تكثيف الضربات على شبكات الإمداد الروسية، وإضعاف المجمع الصناعي العسكري لموسكو، وإظهار ما تصفه كييف بتنامي قدرتها على الإنتاج الذاتي للأسلحة، ولا سيما الطائرات المُسيَّرة، إذ تشير تقارير إلى أنَّ إنتاجها تضاعف ثلاث مرَّات خلال الأشهر الأخيرة.
يُذكَر أنَّ هجمات مشابهة وقعت في الأسابيع الماضية، بينها قصف مصنع كيميائي في إقليم «بيرم» واندلاع حرائق في مصافي نفط قرب مدينة «سانت بطرسبورغ» (كيريتشي)، وفقًا لما أفادت به مصادر روسية.
الغرب يضاعف استثماراته العسكرية في أوكرانيا… وموسكو تحذر أوروبا من “التورط المباشر”
في ظلِّ تقلُّص فرص انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، تبنَّى الحلفاء الغربيون استراتيجية بديلة لدعم كييف في مواجهة الهجوم الروسي، تقوم على ضخّ مليارات الدولارات في قطاع الصناعات الدفاعية الأوكرانية لتمكينها من تعزيز قدراتها الذاتية في الدفاع.
ومن أبرز التطورات الأخيرة في الترسانة الأوكرانية ظهور طائرة مُسيَّرة رباعية المراوح (درون) قادرة على الإفلات من أنظمة التشويش الروسية، والطيران لمسافة تتجاوز 20 كيلومترًا، وحمل ما يصل إلى ستة كيلوغرامات من المتفجِّرات الموجَّهة لاستهداف الدبَّابات والأهداف عالية القيمة.
في المقابل، سارعت موسكو إلى التنديد بالهجمات الأوكرانية ووصفتها بأنَّها أعمال “إرهابية” وتصعيد خطير، محذّرة من أن أي دعم أوروبي لكييف – سواء كان دبلوماسيًا أو عسكريًا – سيُعدّ تورُّطًا مباشرًا في الحرب.
وقال الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» إنَّ روسيا “ستردُّ بقوة كبيرة” إذا واصل الغرب تسليح أوكرانيا. وخلال كلمته في «منتدى نادي فالداي» في مدينة «سوتشي» على البحر الأسود، في الثاني من أكتوبر، شَدَّد «بوتين» على أنَّ “على أحد ألَّا يشكَّ في أنَّ الرَّد الروسي لن يتأخَّر”.
أما وزير الخارجية الروسي «سيرغي لافروف»، فأكَّد في محافل دولية على أنَّ موسكو “لا تنوي مهاجمة أوروبا”، لكنَّها ستردُّ “بحزم” على ما وصفها بـ “الاستفزازات المستمرَّة”.
ويأتي ذلك في مناخ دولي متوتِّر للغاية، مع تصاعد التقارير حول تحليق طائرات مُسيَّرة مجهولة فوق أجواء دول أوروبية، ووقوع حوادث اختراق جوي ومناورات عسكرية مكثَّفة.
في الولايات المتحدة، يواجه الرئيس «دونالد ترامب» قرارًا حسَّاسًا بشأن إرسال صواريخ “توماهوك” بعيدة المدى إلى أوكرانيا. وقد صرَّح بأنه “اتَّخذ قرارا تقريب”، لكنَّه يرغب في التأكُّد من كيفية استخدام هذه الصواريخ قبل المُضيّ قدمًا.
في أثناء ذلك، قال «دميتري ميدفيديف»، نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، إنَّ الجهة المسؤولة عن الطائرات المسيّرة التي استهدفت مطارات أوروبية لا تزال “غامضة”، لكنه شدَّد على أنَّ هذه الحوادث يجب أن تكون “تحذيرًا للأوروبيين من أخطار الحرب”.
وتؤكِّد موسكو على أنَّ استمرار أوروبا في تزويد كييف بأنظمة الصواريخ والمعلومات الاستخباراتية والدعم العسكري سيجعلها تُعتبر طرفًا في النزاع، في موقف يُكرِّر لهجتها التحذيرية التي ظهرت مرارًا خلال الأشهر الماضية.
هل هجوم أوكرانيا داخل العمق الروسي يغيّر موازين الصراع؟
إذا تأكَّدت نتائج الهجوم الأوكراني الأخير على الأراضي الروسية، فلن يُعتبر مجرَّد عملية عسكرية منفردة، بل تحوُّلًا استراتيجيا يعيد رسم قواعد المواجهة. فكييف لم تعد تكتفي بالدفاع داخل حدودها، بل باتت تضرب في عمق الاتحاد الروسي، متجاوزةً الخطوط التقليدية لـ“عدم التدخل” ومغيّرة معادلة الحرب القائمة منذ عام 2022.
ويبقى ملف تسليح أوكرانيا أحد أبرز نقاط الخلاف داخل أوروبا. فحتَّى الآن، امتنعت عدَّة دول عن السماح باستخدام أسلحتها في ضرب أهداف داخل روسيا، غير أنَّ الاستراتيجية الأوكرانية بدأت تُركِّز بشكل متزايد على الأهداف اللوجستية والبنى التحتية التابعة للخصم.
من جانبه، الرَّئيس الذي سلَّم رأسه للحلف الغربي، يؤكد «فولوديمير زيلينسكي» ومسؤولون في كييف على أن الضربات الأخيرة نُفِّذت بأسلحة محلِّية الصُّنع، في محاولة لإظهار استقلالية أوكرانيا العسكرية من جهة، وللرد على الانتقادات الغربية التي تُحذِّر من خطر التصعيد من جهة أخرى.
أمَّا بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي، فتَتَمثَّل المعضلة في إيجاد توازن دقيق بين الرَّغبة في عدم الانجرار إلى الحرب كطرف مباشر، وبين الحاجة إلى الاستمرار في تقديم دعم ملموس لأوكرانيا. فأي قرار في هذا الاتِّجاه ستكون له انعكاسات استراتيجية وأخلاقية عميقة.
وفي المقابل، تُحذِّر موسكو أوروبا من أنَّها “لن تبقى متفرجةً”، داعيةً قادة بروكسل إلى تحديد موقفهم بوضوح قبل أن “يفرض الصراع قراراته بنفسه”.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق