"الأمم المتحدة بين أزمات التمويل وإخفاقات الإصلاح: منظمة عالمية على مفترق طرق" - الإيطالية نيوز

إعلان فوق المشاركات

"الأمم المتحدة بين أزمات التمويل وإخفاقات الإصلاح: منظمة عالمية على مفترق طرق"

"الأمم المتحدة بين أزمات التمويل وإخفاقات الإصلاح: منظمة عالمية على مفترق طرق"

  الإيطالية نيوز، الخميس 2 أكتوبر 2025 –  في وقت يتجاهل فيه الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» باستخفاف الإنجازات العديدة التي حقَّقتها الأمم المتحدة، تبرز الحاجة إلى إعادة تقييم سجل المنظَّمة ما بين النجاحات والإخفاقات على مدى العقود الماضية. ورغم وضوح الحاجة إلى إصلاح هذا الكيان الدولي، يبقى من المؤكَّد أن العالم سيكون في وضع أسوأ بكثير من دونه.

أكثر من 140 من قادة العالم توجَّهوا هذا الشهر إلى نيويورك لإحياء الذكرى الثمانين لتأسيس المنظمة، التي وُلدت عقب الحرب العالمية الثانية بهدف مُعلَن هو "إنقاذ الأجيال المقبِلة من ويلات الحروب". لكن الأمين العام للأمم المتحدة «أنطونيو غوتيريش» اعترف مؤخَّرًا بأنَّ المنظَّمة تحتفل بذكراها في عالم تُمزِّقه صراعات وحشية واسعة النطاق، وتفاوتات عميقة، وانتهاكات سافرة لحقوق الإنسان، فضلًا عن تهديدات وجودية متزايدة.


ويَكمُن جوهر المعضلة في أنَّ نجاح الأمم المتحدة كان دائمًا رهنًا بمدى التعاون بين الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، والمتمتِّعة بحق النقض (الفيتو): بريطانيا، الصين، فرنسا، روسيا، والولايات المتحدة. فقد سعى التوازن الأولي عند تأسيس المنظَّمة إلى الجمع بين نفوذ القوى الكبرى وبين إتاحة مساحة محدودة للدول الأصغر في القضايا الاقتصادية والاجتماعية وإدارة ميزانية الأمم المتحدة. غير أنَّ أحدًا لم ينسَ أنَّ مقر المنظَّمة في نيويورك، وأن ميثاقها صاغته وزارة الخارجية الأمريكية تحت إشراف الرئيس «فرانكلين روزفلت».


وانطلاقًا من هذه الحقائق، اعتُبر خطاب الرئيس «ترامب» أمام الجمعية العامة بمثابة "وأد مؤسَّسي" للمنظَّمة. إذ لم يكتفِ بوصف الأمم المتحدة بأنها غير ذات صلة، بل شَكَّك في المبادئ الأساسية التي حافظت على تماسك أعضائها البالغ عددهم 193 دولة: من عمليات حفظ السلام، إلى تنسيق الاستجابات للتحديات العالمية، وتعزيز التعاون الدولي، وتمويل جهود التنمية. ومنذ عودته إلى البيت الأبيض، انسحبت الولايات المتحدة من اتفاق باريس للمناخ، ومنظَّمة الصحَّة العالمية، ومنظَّمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو).


ديون أمريكا للأمم المتحدة وتحديات الإصلاح

حتّى أبريل 2025، كانت الولايات المتحدة مِدينةً للأمم المتحدة بنحو 3 مليارات دولار من الالتزامات المالية غير المسدَّدة، إضافة إلى التخفيضات الكبيرة التي طالت مساهماتها في برامج التنمية والإغاثة الإنسانية. هذه الأزمة المالية أعاقت قدرة المنظمة على تنفيذ أعمال إنسانية مُنقِذة للحياة في مناطق عدة حول العالم. ففي عام 2024 لم يُجمع سوى نصف المبلغ المطلوب والبالغ 50 مليار دولار لتمويل المساعدات الإنسانية، فيما تُهدِّد التخفيضات الإضافية برامج الإغاثة التي يعتمد عليها 11.6 مليون لاجئ و16.7 مليون إنسان يعانون انعدام الأمن الغذائي.


وأمام تجاهل الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» لإنجازات الأمم المتحدة، تبرز أهمية إعادة تقييم مسيرة المنظمة بين النجاحات والإخفاقات، في محاولة لاستشراف مستقبلها. ويمكن تلخيص مهامها الرئيسية في ثلاثة مجالات أساسية: الأمن العالمي، التنمية، وحقوق الإنسان.


الأمن العالمي
على مدى أربعة عقود، أعاق الصراع بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي السابق قدرة المنظمة على القيام بدورها الأمني المنشود، إذ أدى استخدام البلدين المتكرِّر لحق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن إلى شلل مؤسَّسي. ومع ذلك، تمكنت الأمم المتحدة من إيجاد بدائل عبر نشر قوات لحفظ السلام في مناطق نزاع عدَّة. وكانت أولى هذه المهمَّات عام 1948 لمراقبة وقف إطلاق النار على حدود الأراضي الفلسطينية المحتلة. وخلال العقود الثلاثة التالية، أُرسلت 12 بعثة إضافية إلى مناطق مثل لبنان ومصر وجمهورية الكونغو الديمقراطية و اليمن. ورغم أنَّ نتائجها لم تكن مثالية، فإنَّها أسهمت في تجنُّب مواجهة نووية بين القوتين العظميين.

ومع نهاية الحرب الباردة، أتاح تحسُّن التعاون بين القوى الكبرى توسيع نطاق عمليات حفظ السلام. وبين عامي 1992 و2006، قاد الأمينان العامان الأفريقيان «بطرس غالي» و «كوفي عنان» عملية بناء هيكل أمني جديد ما زال معتمِدًا حتّى اليوم. هذا النظام حقَّق نجاحات بارزة في كمبوديا والسلفادور وموزمبيق وسيراليون، لكنه فشل فشلًا ذريعًا في رواندا و البوسنة و أنغولا و الصومال. وحتّى الآن، لا يزال أكثر من 60 ألف جندي حفظ سلام يعملون في مناطق مثل الكونغو الديمقراطية و جنوب السودان و كوسوفو و كشمير، لكن فعاليتهم باتت موضع تساؤل. وبين 58 بعثة أُطلقت بعد الحرب الباردة، كانت نصفها في إفريقيا، حيث عانت المنظَّمة من غياب القدرة على فرض قراراتها، وهو أمر يعتمد في جوهره على الإرادة السياسية للدول الأعضاء.


إخفاقات حقوق الإنسان وإصلاحات قسرية

هذه الجهود لم تؤتِ ثمارها، إذ بقيت المؤسَّسات المنبثِقة عن نظام "بريتون وُوْدز" تحت سيطرة الحكومات الغربية الكبرى. ورغم بعض التقدُّم، حيث ارتقت أكثر من 30 دولة نامية إلى فئة الدول متوسِّطة الدخل بحلول عام 2019، فإن الواقع المقلق يشير إلى أن %35 فقط من أهداف التنمية المستدامة تسير على المسار الصحيح أو تُحقِّق تقدُّمًا متوسطًا. ومع ذلك، لم يكن السجل كله سلبياً؛ فحتّى مع التخفيضات الهائلة في التمويل، تمكَّنت الأمم المتحدة عام 2024 من إيصال المساعدات الإنسانية إلى 116 مليون شخص.


أما في مجال حقوق الإنسان، فقد بدت المنظمة عاجزة بصورة فادحة. فـ"لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن الأراضي الفلسطينية المحتلة" التابعة للأمم المتحدة خلصت مؤخَّرًا إلى أنَّ إسرائيل ترتكب جريمة إبادة جماعية في قطاع غزة، لكن المنظمة ككل فشلت في اتخاذ أي خطوة جدية لوقف أعمال القتل. كما أن مجلس حقوق الإنسان، الذي انسحبت منه الولايات المتحدة في فبراير بقرار من إدارة «ترامب»، ظل هيئة مُسَيَّسة وفعاليته محدودة. في المقابل، تتواصل الانتهاكات الجسيمة من دون محاسبة في الكونغو والصين وروسيا والسعودية وكشمير وميانمار، إضافة إلى ما يتعرَّض له المهاجرون من ممارسات قاسية في أوروبا والولايات المتحدة.


وبسبب التدهور المالي الذي تعانيه، اضطرَّ الأمين العام «أنطونيو غوتيريش» إلى تسريع مسار إصلاحات تقشُّفية كانت قيد الإعداد. وقد اقترح خفض 500 مليون دولار من ميزانية عام 2026، أي ما يعادل %15 من برامج المنظمة، إلى جانب تقليص عدد الموظَّفين بنسبة %19، وتخفيض موازنة عمليات حفظ السلام بنسبة %11.2. وتشمل الخطط أيضًا نقل مكاتب من مدن مرتفعة التكلفة مثل نيويورك وجنيف إلى مدن أقل كلفة، وترشيد عمل الوكالات الأممية وإنهاء الازدواجية في ولاياتها، إضافة إلى توسيع دور اللجان الاقتصادية الإقليمية.


 وبين المقترحات الأخرى دمج أكثر من 20 وكالة أممية تتنافس غالبًا على موارد محدودة في مكاتب صغيرة داخل الدول، وإلغاء برنامج الأمم المتحدة المعني بِ "الإيدز"، ودمج برنامج الأمم المتحدة الإنمائي مع مكتب الأمم المتحدة لخدمات المشاريع، وتوحيد "هيئة الأمم المتحدة للمرأة" مع صندوق الأمم المتحدة للسكان.


لقد انهارت "عصبة الأمم" عشية الحرب العالمية الثانية من دون أن تحظى حتّى بجنازة لائقة. واليوم، تبدو الأمم المتحدة واعية تمامًا إلى حاجتها الماسّة للإصلاح، وإلَّا ستواجه خطر الانهيار ذاته. لكن المفارقة أن بعض الدول الأعضاء لا تُبدي أي انزعاج من هذا الاحتمال.

إعلان اسفل المشاركات

كن على أتصال

أكثر من 600,000+ متابع على مواقع التواصل الإجتماعي كن على إطلاع دائم معهم

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

جرائم قتل النساء في إيطاليا