واعتمد مجلس الأمن، يوم الجمعة، قرارًا يؤكد أن الحل الأكثر قابلية للتطبيق للنزاع الممتد منذ خمسين عامًا يتمثل في منح الصحراء الغربية حكمًا ذاتيًا حقيقيًا في إطار السيادة المغربية، بهدف وضع حدٍّ للمواجهة الطويلة بين المغرب وجبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر.
قرار أممي يكرس خطة الحكم الذاتي المغربية كأساس لاستئناف المفاوضات
اعتمد مجلس الأمن الدولي، يوم الجمعة 31 أكتوبر، قرارًا يقضي بتمديد ولاية بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية (مينورسو) حتى 31 أكتوبر 2026، في خطوة تُعد تحولًا مهمًا في مقاربة المنظمة الدولية لإيجاد حل للنزاع المستمر منذ عقود حول الإقليم المتنازع عليه.
وجاء في نص القرار أن خطة الحكم الذاتي التي قدمها المغرب عام 2007 تُشكل أساسًا لاستئناف المفاوضات الرامية إلى التوصل إلى تسوية سياسية “عادلة ودائمة ومقبولة من الطرفين”، تقوم على مبدأ “الحكم الذاتي الحقيقي ضمن سيادة الدولة المغربية، بما يضمن في الوقت نفسه حق سكان الصحراء الغربية في تقرير مصيرهم”.
وأكد القرار دعم مجلس الأمن لجهود الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه الشخصي إلى الصحراء الغربية، ستيفان دي ميستورا، لاستئناف الحوار بين المغرب وجبهة البوليساريو والجزائر وموريتانيا، داعيًا جميع الأطراف إلى استئناف المفاوضات “من دون شروط مسبقة”، مع اعتماد المقترح المغربي كمرجعية وتقديم مبادرات من شأنها دفع العملية السياسية قدمًا.
بدوره، قال السفير الأميركي لدى الأمم المتحدة، «مايك والتز»، عقب التصويت: "ندعو جميع الأطراف إلى استغلال الأسابيع المقبلة للجلوس إلى طاولة المفاوضات والانخراط في مناقشات جدّية. نؤمن بأن تحقيق السلام الإقليمي ممكن هذا العام، وسنبذل كل ما في وسعنا لدعم هذا المسار".
من جانبه، قال السفير الجزائري لدى الأمم المتحدة، «عمّار بنجامع»، إن "القرار يتجاهل مقترحات جبهة البوليساريو"، مشددًا على أن "القرار النهائي بشأن مستقبل الإقليم يجب أن يبقى بيد شعبه الذي لا يزال يعيش تحت حكم استعماري".
كما شدد القرار على ضرورة احترام وقف إطلاق النار وتجنب أي إجراءات من شأنها تقويض المسار السياسي. وأعرب عن قلقه من محدودية التمويل المخصص للمساعدات الإنسانية المقدمة للاجئين الصحراويين في تندوف، الولاية الحدودية والصحراوية، الواقعة في الجنوب الغربي للجزائر، وحث الدول الأعضاء والجهات المانحة على زيادة مساهماتها. وأعاد المجلس التأكيد على أهمية التسجيل المنتظم للاجئين في المخيمات.
وجاء التصويت بعد أيام من مشاورات دبلوماسية مكثفة، إذ دعمت كل من الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة تضمين إشارة صريحة إلى خطة الحكم الذاتي المغربية، في حين عارضت الجزائر – العضو غير الدائم في المجلس و الحليفة الرئيسة لجبهة البوليساريو، في الجلسة – هذا التوجه، بحسب مصادر دبلوماسية. أما جبهة البوليساريو، فقد رفضت أي إطار يقوم على سيادة المغرب على الإقليم.
في أول رد رسمي لرئيس الجمهورية الصحراوية #إبراهيم_غالي 🇪🇭 :
— أحمد حفصي || HAFSI AHMED (@ahafsidz) November 1, 2025
✅النظام المغربي🇲🇦 خمسين سنة يقوم بالتضليل وتمييع الحقيقة لتحريك عواطف الشعب المغربي على الزور والكذب والبهتان والتوسع.
❌في سنة 1975 شوهوا وميعوا قرار محكمة العدل الدولية، وفسروه تفسير لا علاقة له بالحقيقة، اليوم… pic.twitter.com/phN9WXMdyf
في المقابل، امتنعت روسيا والصين وباكستان عن التصويت. وقد صوّتت إحدى عشرة دولة عضوًا في المجلس لصالح القرار، الذي جدّد أيضًا ولاية بعثة الأمم المتحدة في الصحراء الغربية (مينورسو) لمدة عام إضافي.
تأسست بعثة مينورسو عام 1991 لمراقبة وقف إطلاق النار والتحضير لتنظيم استفتاء لتقرير المصير، غير أن الاستفتاء لم يُجرَ بسبب الخلافات حول قوائم الناخبين. ومنذ ذلك الحين، ركزت البعثة على مراقبة الأوضاع الميدانية وضمان احترام وقف إطلاق النار.
ويأتي القرار الجديد في وقت لا يزال فيه نزاع الصحراء الغربية أحد أقدم الملفات العالقة على جدول أعمال الأمم المتحدة. ويعود أصل النزاع إلى عام 1975 حين انسحبت إسبانيا من الإقليم، وأقرت محكمة العدل الدولية آنذاك بوجود روابط بيعة تاريخية بين بعض القبائل الصحراوية والعرش المغربي، لكنها أوضحت أن تلك الروابط لا ترقى إلى مستوى السيادة. وعلى إثر ذلك، أعلنت جبهة البوليساريو قيام ما يسمى بـ«الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية» بدعم من الجزائر، بينما أكد المغرب سيادته على الإقليم.
دعم دولي متنامٍ للحكم الذاتي
خلال السنوات الأخيرة، نجح المغرب بقيادة الملك محمد السادس في حشد دعم دولي متزايد لمقترح الحكم الذاتي. فقد اعترفت الولايات المتحدة بسيادة المغرب على الصحراء الغربية عام 2020، تلتها إسبانيا في عام 2022 بوصف الخطة “الأكثر جدية وواقعية”، ثم فرنسا في 2024، والمملكة المتحدة في 2025.
ويأتي القرار الأممي قبل أيام من الذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء (6 نوفمبر 1975 – 6 نوفمبر 2025)، ويُنظر إليه على نطاق واسع بوصفه انتصارًا دبلوماسيًا للمغرب.
وفي كلمة له مساء الجمعة، وصف الملك محمد السادس القرار بأنه “لحظة مفصلية ومنعطف حاسم في تاريخ المغرب الحديث”، مؤكدًا ضرورة التوصل إلى “حل لا غالب فيه ولا مغلوب، يحفظ كرامة جميع الأطراف”. وأضاف أن المغرب لا يعتبر القرار “انتصارًا يُتَوج كغنيمة”، بل خطوة لبناء الثقة وتجاوز الانقسامات.
كما وجّه الملك نداءً إلى اللاجئين الصحراويين في مخيمات تندوف لـ“اغتنام هذه الفرصة التاريخية من أجل لمّ شملهم مع ذويهم، والاستفادة من مبادرة الحكم الذاتي التي تتيح لهم المساهمة في تدبير شؤونهم المحلية وتنمية مناطقهم والمشاركة في بناء مستقبلهم داخل مغرب موحد”.

    
    
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق