الحكومة الإيطالية تواصل التناقض في روايتها بشأن تهريب «جلاد طرابلس» من «تورينو» إلى ليبيا - الإيطالية نيوز

إعلان فوق المشاركات

الحكومة الإيطالية تواصل التناقض في روايتها بشأن تهريب «جلاد طرابلس» من «تورينو» إلى ليبيا

الحكومة الإيطالية تواصل التناقض في روايتها بشأن تهريب «جلاد طرابلس» من «تورينو» إلى ليبيا

 الإيطالية نيوز، الخميس 6 نوفمبر 2025 – أعاد توقيف الجنرال الليبي «أسامة المصري انجيم» في ليبيا، المعروف بلقب «جلّاد طرابلس»، الجدل في إيطاليا بشان الطريقة التي تعاملت بها الحكومة مع اعتقاله في «تورينو» مطلع يناير الماضي، وقرارها المثير للجدل بإعادته إلى ليبيا في إجراء وُصف بأنَّه غير اعتيادي ومخالِف للأعراف المتَّبعة في قضايا مماثلة.


وقد أثار ذلك القرار قضية سياسية وقضائية كبرى في إيطاليا؛ إذ سقطت الإجراءات القانونية التي طالت ثلاثة من مسؤولي الحكومة من دون أي تبعات قضائية، بينما لا تزال القضية السياسية مفتوحة، في ظل استمرار الحكومة منذ أشهر في تبديل مواقفها وتقديم تبريرات متناقضة لما جرى.


ففي حين أكَّدت الحكومة في مرحلة أولى على أنَّ الإعادة وقعت لدواعٍ سياسية، عادت لاحقًا لتصفها بأنَّها مسألة تقنية وإدارية، ما أثار تساؤلات حول الشفافية والمسؤولية في اتِّخاذ القرار.


ويأتي ذلك وسط انتقادات متزايدة لأداء الحكومة في ملفّات تتعلَّق بحماية حقوق الإنسان والتعاون الأمني مع دول غير مستقرَّة، إذ يرى مراقبون أنَّ التناقض في رواية روما بشأن «المصري» يمسّ مصداقيتها ويكشف ارتباكًا في إدارتها للعلاقات الحساسة مع ليبيا.


تضارب التبريرات بين "الأمن القومي" و"الإجراءات البيروقراطية"

تستمر الحكومة الإيطالية في تقديم روايات متباينة بشأن أسباب الإفراج عن الجنرال الليبي وإعادته إلى بلاده مطلع العام الجاري. فوفقًا لإحدى الروايات الرسمية، جرى الإفراج عنه لدواعٍ تتعلَّق بالأمن القومي، بينما تُرجع رواية أخرى القرار إلى أسباب إجرائية وبيروقراطية، ولا سيما في ضوء طلب تسليم رسمي تَقدَّمت به السُّلطات الليبية آنذاك.


وفي ما يلي تسلسل الوقائع الأساسية: حدث توقيف المسري في 18 يناير بمدينة تورينو بناءً على مذكرة توقيف صادرة عن المحكمة الجنائية الدولية، وهي أعلى هيئة قضائية مختصَّة بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. وتضمَّن أمر التوقيف اتِّهامات له بارتكاب جرائم قتل وتعذيب واغتصاب وانتهاكات جسيمة أخرى.

وبعد ثلاثة أيام فقط، في 21 يناير، قرَّرت الحكومة الإيطالية الإفراج عنه وترحيله إلى ليبيا في خطوة وُصفت حينها بأنها استثنائية وغير مألوفة من حيث الإجراءات القانونية.


وبعد مرور أكثر من تسعة أشهر، أُلقي القبض مجددًا على «المصري» في ليبيا يوم الأربعاء 5 نوفمبر، بتهم تتعلَّق بـ تعذيب عشرة مهاجرين كانوا محتجَزين في مركز تحت إمرته، والتسبُّب في مقتل أحدهم جرَّاء أعمال عنف وتعذيب مورست بحقِّهم.

بعد ساعات قليلة من اعتقاله، أصدر الحكومة الإيطالية بيانًا غير رسمي أكدت فيه أنها كانت على علم بالإجراءات القضائية الجارية بحق الجنرال الليبي «أسامة المصري انجيم»، وبـ نية السلطات الليبية اعتقاله فور عودته إلى بلاده.


وأوضحت الحكومة في البيان أن قرارها بعدم تنفيذ مذكرة التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية، وإعادة «المصري» إلى ليبيا على متن طائرة حكومية خاصَّة، جاء استنادًا إلى طلب تسليم رسمي تلقَّته روما من السلطات الليبية بين 21 و22 يناير الماضيين.


لكن قبل أسبوع واحد فقط، صرّح «ألفريدو مانتوفانو»، وكيل رئاسة مجلس الوزراء والمكلّف بالإشراف على أجهزة الاستخبارات وأحد أكثر أعضاء الحكومة تورُّطًا في القضية، بتصريحات جديدة في مقابلة مع صحيفة «كورييري ديلا سيرا».


وقال «مانتوفانو» إن قرار الحكومة الإفراج عن الجنرال الليبي «أسامة المصري انجيم» لم يكن لأسباب إجرائية، بل جاء خشية من أعمال انتقامية محتملة ضد المواطنين الإيطاليين في ليبيا، في حال بقي «المصري» محتجَزًا في إيطاليا أو جرى تسليمه إلى المحكمة الجنائية الدولية.


غير أن هذه الرواية تتناقض مع الموقف الذي تبنَّته الحكومة في المراحل الأولى من القضية، إذ كانت السلطات الإيطالية قد برَّرت الإفراج عن «المصري»، في يناير وفبراير الماضيين، بـ وجود أخطاء شكلية في طلب التوقيف الذي قدَّمته المحكمة الجنائية الدولية، ملقيةً في الوقت نفسه المسؤولية القانونية على محكمة الاستئناف في روما، التي كانت الجهة المختصَّة بالنظر في الملف.


لاحقًا، تبنَّت الحكومة الإيطالية تدريجيًا رواية “الأمن القومي” لتبرير قرارها بشأن قضية «جلاد طرابلس».


وقد أكَّد «ألبرتو مانتوفانو» هذه الرواية أمام محكمة الوزراء – وهي هيئة قضائية خاصة تُعنى بالتحقيق في الأفعال المنسوبة إلى أعضاء الحكومة أثناء ممارستهم مهامهم الرسمية – إلى جانب وزير العدل «كارلو نورديو» ووزير الداخلية «ماتّيو بيانتيدوزي»، اللذين يواجهان بدورهما تحقيقات في القضية نفسها.


واستنادًا إلى ما وُصف بـ «دواعي المصلحة العليا للدولة» أو ما يُعرف في الأوساط السياسية بـ “raison d’État”، رفض نواب الائتلاف الحاكم في البرلمان منح الإذن القضائي لملاحقة «مانتوفانو» و «نورديو» و «بيانتيدوزي»، ما أدى فعليًا إلى إسقاط الإجراءات القانونية ضدهم وإغلاق الملف قضائيًا.


خلال الفترة التي كان فيها الجنرال الليبي  «أسامة المصري انجيم» محتجزًا في إيطاليا، قدَّم مسؤولو «الوكالة الإيطالية للاستخبارات والأمن الخارجي» (AISE) توضيحات للوزراء المعنيين بشأن دوره داخل جهاز "الرَّدع" (RADA)، وهو جهاز شرطة قضائية يتبع رسميًا مكتب النائب العام في طرابلس، لكنه يعمل – كما هو شائع في ليبيا – أيضًا كميليشيا مسلَّحة تخضع لاعتبارات ومصالح أخرى.


وخلال جلسة الاستماع أمام محكمة الوزراء، نفى مدير الوكالة «جوفانّي كارافيلّي» وجود تهديدات مباشرة أو محدَّدة في ذلك الوقت ضد نحو 500 مواطن إيطالي يعيشون أو يعملون في ليبيا، لكنَّه أشار في الوقت نفسه إلى أنه لا يمكن استبعاد احتمال وقوع أعمال انتقامية بالكامل.


وبناءً على هذه التقديرات، أكَّدت الحكومة أنَّها قرَّرت الإفراج عن «المصري» لتجنُّب أي مخاطر انتقام محتمَلة ضد المصالح أو المواطنين الإيطاليين في ليبيا. إلَّا أن الحكومة عادت اليوم لتتبنَّى من جديد الرواية القانونية–الإدارية لتبرير قرارها، وهي رواية تناقض الطرح السياسي السابق القائم على مبدأ «المصلحة العليا للدولة»، وتثير بدورها عدة تناقضات جوهرية في تسلسل المواقف الرسمية.


مخالفات وإشكالات في طلب التسليم الليبي للجنرال «المصري»

تسلسل زمني يُظهر تضاربًا في الروايات وقرارات اتُّخذت قبل وصول الطلب الرسمي

تكشف التحقيقات التي أجراها “محكمة الوزراء” في إيطاليا عن عدة مخالفات وشبهات إجرائية في الطلب الذي تقدَّمت به السلطات الليبية لتسليم الجنرال «أسامة المصري انجيم»، سواء في صياغته أو في توقيت استلامه من قبل الحكومة الإيطالية.


أوَّل مرة أُشير فيها إلى طلب التسليم كانت في 20 يناير، خلال اجتماع عُقد بعد يوم واحد من اعتقال «المصري» في «تورينو».

وفي تلك الجلسة، أبلغ مدير «وكالة الاستخبارات الخارجية الإيطالية»، «جوفانّي كارافيلّي» كلًا من وكيل رئاسة الوزراء «ألبرتو مانتوفانو» والوزراء المعنيين بأن الوكالة تلقت طلبًا مبدئيًا من الحكومة الليبية لتسليم «المصري». وأوضح كارافيلي أن الطلب وصل «بشكل استباقي»، مشيرًا إلى أنَّه أُرسل عبر السفارة الليبية في روما ومُوقَّع من قبل النائب العام الليبي «الصديق أحمد السور». غير أنَّ الطلب الرسمي لم يُسلَّم إلى وزارة الخارجية الإيطالية – وفقًا للإجراءات الدبلوماسية المعتادة – إلَّا مساء يوم 21 يناير، بعد أن قامت السفارة الإيطالية في طرابلس بترجمته إلى الإيطالية بين الساعة السادسة والثامنة مساءً. وجرى إيداع النسخة النهائية في وزارة العدل صباح 22 يناير، رغم أنَّها كانت مؤرَّخة بتاريخ 20 ينايروبذلك، لم يصبح الطلب رسميًا إلَّا بعد مرور أكثر من 24 ساعة على ترحيل «المصري» إلى ليبيا.

فالواقع أنَّ الجنرال كان قد غادر الأراضي الإيطالية بالفعل مساء 21 يناير، على متن طائرة تابعة لجهاز الاستخبارات الإيطالية أقلّته من «تورينو» إلى «طرابلس»، أي قبل وصول الطلب الرسمي بوقت طويل.


ووفق إفادات «كريستينا لوكّيني» و «لويجي بيرّيتّيري»، وهما مسؤولان بارزان في وزارة العدل (وقد استقال «بيرّيتّيري» لاحقًا بسبب القضية)، فإن طلب التسليم الليبي كان «غير نظامي بالكامل» و«ذو طابع شكلي بحت»، إذ افتقر إلى جميع العناصر القانونية التي تمنحه الصلاحية اللازمةوبناءً على ذلك، رأت محكمة الوزراء أنه لم يكن بالإمكان قانونًا قبول الطلب من الأساس.

وإذا صَحَّ أنَّ الحكومة الإيطالية قبلت الطلب كما تزعم، فإنَّها فعلت ذلك استنادًا إلى وعود عامة وغير موثَّقة من الجانب الليبي.

ولم يحصل «كارافيلّي» على أي ضمانات ملموسة إلا بعد سفره إلى ليبيا في 29 يناير – أي بعد أسبوع كامل من إعادة المصري» – حيث التقى النائب العام «الصديق السور» الذي أكد له وجود تحقيق مبدئي بحق "المصري». لكن تلك التأكيدات بقيت غامضة ولم تُترجم إلى أي إجراءات عملية فورية، إذ استغرق الأمر قرابة عشرة أشهر قبل أن تَعتقل السلطات الليبية «المصري» مجدَّدًا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلان اسفل المشاركات

كن على أتصال

أكثر من 600,000+ متابع على مواقع التواصل الإجتماعي كن على إطلاع دائم معهم

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

جرائم قتل النساء في إيطاليا