وتستند المعارَضة في تَحَرُّكها إلى الاشتباه بأنَّ الرئيس «فولوديمير زيلينسكي» نفسه كان على علم بهذا النظام من الفساد الذي طال قطاع الطاقة، بالنظر إلى علاقاته الوثيقة مع بعض المتَّهمين.
ويعكس التوتر داخل الفيرخوفنا رادا (البرلمان الأوكراني) حالة السخط الشعبي المتصاعدة، في وقت يضطر فيه المواطنون للعيش في الظلام بسبب الضربات الروسية التي تستهدف البنية التحتية للطاقة، بينما تتَّهمهم المعارضة بأنَّ «طبقة سياسية فاسدة» تستغلُّ الأموال العامَّة — بما فيها المساعدات المقدَّمة من المانحين والدول الغربية — لتحقيق مكاسب شخصية.
وبوجه خاص، كان البرلمان الأوكراني صوّت أمس على استقالة وزيرة الطاقة «سفيتلانا هرينتشوك» وسلفها «هيرمان هالوشينكو»، الذي يتولَّى حاليًا منصب وزير العدل. وينفي الوزيران أي صلة لهما بالقضية، إلَّا أنَّ «هرينتشوك» قدَّمت استقالتها بالفعل، فيما جرى تعليق مهام «هالوشينكو» إلى حين انتهاء التحقيق.
وفي الأثناء، ألقت السلطات القبض على خمسة مشتبه بهم، من بينهم نائب رئيس الوزراء السابق «أوليكسي تشيرنيشوف»، بينما لا يزال اثنان آخران فارّين من العدالة؛ أحدهما «تيمور مينديتش»، وهو أحد الشركاء التجاريين السابقين للرئيس «فولوديمير زيلينسكي»، وقد غادر البلاد الأسبوع الماضي ويُعتقد أنه الرأس المدبِّر لمُخطِّط الفساد.
وفي هذا السياق، قام حزب المعارضة أمس بعرقلة أعمال «الفيرخوفنا رادا»، رافعًا لافتات تحمل شعارات بينها: «ما ثمن الظلام؟». من جهتهم، اتَّهم بعض أعضاء حزب الأغلبية «خادم الشعب» خصومهم السياسيين بتعطيل قدرة البرلمان على التحرُّك. وقال النائب «دانييلو هيتمانتسيف»، أحد قيادات حزب «زيلينسكي»: «بينما يفرّ بعض اللصوص ويختبئون، ينشغل آخرون — من السياسيين الشعبويين — في تقديم عروض مسرحية».
وبحسب ما كشفته نتائج تحقيق «المكتب الوطني لمكافحة الفساد في أوكرانيا» (NABU)، الذي عُرض يوم الاثنين بعد 15 شهرًا من العمل، فإن نحو 100 مليون دولار خُصصت لحماية محطات الكهرباء من أعمال التخريب الروسية قد جرى الاستيلاء عليها من قِبل عدد من المسؤولين منذ عام 2022.
وأطلق «المكتب الوطني لمكافحة الفساد في أوكرانيا» على العملية اسم “ميداس”، وقد جمعت أدلَّة تشير إلى أنَّ المسؤولين المتورِّطين كانوا يطالبون مورّدي شركة «إنرغوأتوم»—المؤسسة الحكومية للطاقة النووية—برشاوى تتراوح بين 10 و15 في المئة مقابل تسهيل إبرام العقود من دون تعطيل إداري.
وتُظهر التسجيلات التي نشرتها الوكالة أن نحو 1.2 مليون دولار انتهت في جيوب نائب رئيس الوزراء السابق «أوليكسي تشيرنيشوف»، الذي كان المشتبه بهم يشيرون إليه باسم «تشي غيفارا».
ورغم أن الرئيس «فولوديمير زيلينسكي» تعهَّد بإعادة هيكلة قطاع الطاقة، ورحّب بتحقيق هيئة مكافحة الفساد ودعم استقالة الوزراء المتورِّطين، فإنّه كان قد حاول في الصيف الماضي تفكيك مكاتب مكافحة الفساد في البلاد، وعلى رأسها «المكتب الوطني لمكافحة الفساد في أوكرانيا» و «النيابة الخاصة لمكافحة الفساد» (SAPO). ولم يتراجع عن هذه الخطوة إلَّا بعد موجة احتجاجات شعبية عارمة أجبرته على التراجع.
وتبيَّن الآن أنَّ للرئيس «فولوديمير زيلينسكي» روابط وثيقة مع بعض المشتبَه بهم، رغم أنه غير متَّهم مباشَرةً في القضية، التي باتت تُعرف أيضًا باسم «خدعة الحَمَّام الذهبي». ففي صلب مخطَّط الفساد يقف «تيمور مينديتش»، رجل الأعمال والمساهم المؤسِّس إلى جانب «زيلينسكي» في شركة الترفيه «كفارتال 95»، التي انطلق منها الرئيس الأوكراني نحو الشهرة كنجم لمسلسلات كوميدية قبل أن يصل إلى الرئاسة عام 2019.
ووفقًا لما أورده موقع «نيويورك بوست»، امتلك الرجلان شققًا في المبنى نفسه، حيث يُقال — بحسب مسؤول حكومي أوكراني سابق — إن «مينديتش» كان يملك شقّة تضم حمّامات مُذَهَّبة. وتشير المعلومات الأخيرة إلى أنَّ «مينديتش» قد فرَّ إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة الأسبوع الماضي.
أما نائب رئيس الوزراء السابق «أوليكسي تشيرنيشوف»، فقد كان هو الآخر من المقرَّبين من «زيلينسكي»، إذ شغل مناصب حكومية في إدارته منذ عام 2019، كما سبق أن وُجِّهت إليه تهمة إساءة استخدام السلطة.
تأتي الفضيحة التي تطال أعلى مستويات الحكومة الأوكرانية في لحظة شديدة الحساسية، إذ تعاني البلاد من انقطاعات متكرِّرة في التيار الكهربائي، بينما يتكَبَّد الجيش هزائم كبيرة، على سبيل المثال في محيط «بوكروفسك». وقد أدَّى ذلك إلى تزعزع ثقة المموِّلين الدوليين بِـ «كييف»، ما قد يبعد أوكرانيا عن مسار الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
ورغم هذه التطوُّرات، لا يزال الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء يقدِّمون تمويلات ضخمة للدولة السوفيتية السابقة، التي تجد نفسها اليوم أمام أزمة سياسية عميقة تعكس بدورها حالة انهيار أخلاقي واضح داخل الطبقة الحاكمة.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق