الإيطالية نيوز، الخميس 27 نوفمبر 2025 – قدّر بحث جديد (تنزيل التقرير في صيغة PDF) أن عدد الفلسطينيين الذين قُتلوا على يد القوات الإسرائيلية خلال الحرب على «قطاع غزة»، على مدى العامين الماضيين، قد تجاوز 110 آلاف شخص، بينهم ما نسبته %27 من الأطفال الذين لا تتعدَّى أعمارهم الخامسة عشرة.
وبحسب تقديرات فريق البحث في «معهد ماكس بلانك» للدراسات الديموغرافية في «روستوك»، فإنَّ العدد الفعلي للضحايا قد يكون أعلى بكثير من الأرقام المتداولة حتّى الآن.
وقالت «إيرينا تشين»، المشاركة في قيادة المشروع البحثي: “لن نعرف أبدًا الرقم الدقيق للضحايا»، مضيفة: «نحاول ببساطة تقديم تقدير هو الأقرب قدر الإمكان إلى الحجم الحقيقي للخسائر”
اعتمد باحثو «معهد ماكس بلانك» على تقاطع بيانات من مصادر متعدِّدة، وأضافوا إليها نماذج إسقاطات إحصائية لتقدير العدد الفعلي للضحايا الفلسطينيين. فإلى جانب الأرقام الصادرة عن وزارة الصحة في «قطاع غزة» التابعة لحركة «حماس»، شمل التحليل مَسْحًا مستقلًّا أُجرِي على عيِّنة من العائلات، إضافة إلى بلاغات عن وفيات جرى رصدها عبر منصات التواصل الاجتماعي.
حتَّى وقت قريب، كان المصدر الرَّسمي الوحيد هو بيانات الوزارة المحلية، التي أعلنت خلال العامين الأولين من الحرب عن 67,173 قتيلًا. غير أنَّ عددًا من الفرق البحثية أشار سابقًا إلى أنَّ هذا الرقم يبدو متحفِّظًا، إذ يقتصر على الوفيات التي جرى توثيقها رسميًا، مثل الحالات المسجَّلة في المستشفيات. ومع الانهيار التدريجي للمنظومة الصحية وخروج العديد من المستشفيات عن الخدمة، بدأت الوزارة تعتمد أيضًا على الإخطارات التي يُقدِّمها ذوو الضحايا بعد مراجعتها من لجنة مختصة. ورغم ذلك، تبقى فئة كبيرة من الضحايا خارج الإحصاءات الرَّسمية، وعلى رأسهم من ظلُّوا مدفونين تحت الأنقاض بعد القصف.
ويحاول باحثو معهد «روستوك» سد هذا الفراغ المعلوماتي؛ إذ استند فريق الباحثين إلى بيانات سابقة، وطوَّر تقديرات تفصيلية للوفيات، شملت تحليلًا منفصلًا وفق الجنس والفئات العمرية، بهدف تقديم صورة أقرب إلى الواقع عن أثر الحرب على السكان. ووفقًا للتقديرات، فإنَّ عدد القتلى في قطاع غزة بين 7 أكتوبر 2023 و 6 أكتوبر 2025 يُرجَّح أن يتراوح بين نحو 99,997 و 125,915 شخصًا، مع رقم وسطي يبلغ 112,069 قتيلًا.
كما تشير حسابات الباحثين إلى أنَّ نحو %27 من الضحايا هم على الأرجح أطفال دون الخامسة عشرة، فيما تُشكِّل النساء نحو %24 من إجمالي القتلى.
كما استندت الدراسة إلى بيانات من بينها استطلاع ميداني (تنزيل الاستطلاع في صيغة PDF) أجراه الفريق الذي يقوده «مايكل سباغات»، أستاذ في كلية «رويال هولواي» التابعة لجامعة «لندن». وقد زار باحثون محلِّيون من المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمَسحية نحو ألفي أُسرة، تمثِّل عينة سكّانية قوامها نحو مليوني شخص موزَّعين على المحافظات الخمس في «قطاع غزة»، وطلبوا منهم معلومات حول مصير أفراد عائلاتهم منذ بدء الحرب.
دراسات أخرى — بينها البحث الذي نُشر مطلع العام الجاري في مجلة «ذي لانست» لفريق من مدرسة «لندن» لحفظ الصحة والطب الاستوائي — كانت قد أشارت مسبقًا إلى أنَّ عدد القتلى قد يكون أعلى بكثير من الأرقام الرسمية، مرجحةً زيادة تتراوح بين 30 و %40 مقارنة بتقديرات حكومة «قطاع غزة» الخاضعة لسيطرة «حماس».
كما درس الباحثون في «معهد ماكس بلانك» تأثير الحرب على متوسِّط العمر المتوقع في «قطاع غزة». فقبل الحرب، كان متوسِّط العمر يبلغ 77 عامًا للنساء و74 عامًا للرجال. أمَّا بالنسبة لعام 2024، فيُقدَّر الديموغرافيون أن ينخفض إلى 46 عامًا للنساء و36 عامًا للرجال. ويعني ذلك أنه في حال استمرار الهجمات الإسرائيلية، فإنَّ الفلسطينيين في القطاع لن يتجاوزوا — في المتوسط — هذه الأعمار المتدنية.
تُعزِّز الدراسة ما سبق أن أثارته منظَّمات غير حكومية وهيئات دولية بشأن اتساع نطاق القصف وعدم تناسبه، وتنفيذ عمليات عسكرية في مناطق شديدة الكثافة السكانية، وغياب الحماية الكافية للمدنيين. غير أنَّ ما تكشفه الأرقام يتجاوز الأبعاد القانونية والسياسية، ليظهر شرخًا أعمق تَمثَّل في التأثير غير القابل للعودة على البنية الاجتماعية والديموغرافية في القطاع. ففي منطقة كان يعيش فيها قبل الحرب نحو مليوني نسمة، تُمثِل خسارة عشرات الآلاف من الأرواح شكلًا من الدمار البنيوي، ينعكس في أجيال محطّمة ونسيج اجتماعي ممزَّق، ويُحدث تحوُّلًا جذريًا في التوازن السكَّاني والمعيشي في «قطاع غزة».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق