«فؤاد عودة»: “الهجرة الصحية في إيطاليا… مورد إستراتيجي لا يمكن تجاهله” - الإيطالية نيوز

إعلان فوق المشاركات

«فؤاد عودة»: “الهجرة الصحية في إيطاليا… مورد إستراتيجي لا يمكن تجاهله”

«فؤاد عودة»: “الهجرة الصحية في إيطاليا… مورد إستراتيجي لا يمكن تجاهله”

بقلم: البروفيسور «فؤاد عودة»

الإيطالية نيوز، الأحد 16 نوفمبر 2025 – تمرّ إيطاليا اليوم بمرحلة مفصلية في تاريخ قطاعها الصحي؛ مرحلة لم تعد فيها الهجرة الصحية مجرد ظاهرة مؤقتة، بل رافعة إستراتيجية تعيد تشكيل النظام الوطني بعمق. فمنذ العام 2020 وحتى أكتوبر 2025، وصل إلى البلاد أكثر من 32 ألف متخصص صحي أجنبي – بينهم 10,240 طبيباً و 21,760 ممرضا – بحسب بيانات «نقابة الأطباء من أصل أجنبي في إيطاليا» (AMSI) و «الرابطة الطبية الاوروبيه الشرق اوسطية الدولية» (UMEM) وحركة «متحدون من أجل الوحدة».

أرقام ليست عابرة. بل تعكس اتجاها مستقرا يفرض على إيطاليا التفكير من جديد: كيف يمكن تحويل هذا التدفق من الطاقات إلى قيمة مضافة، بدلاً من تركه يتبدّد في دهاليز البيروقراطية؟

أربع مراحل لتاريخ طويل من الهجرة الصحية

الهجرة الصحية في إيطاليا ليست حدثاً طارئاً. إنها سلسلة متواصلة من أربع مراحل، بدأت من سبعينيات القرن الماضي، مروراً بمرحلة دول أوروبا الشرقية بعد سقوط جدار «برلين»، ثم موجة متخصصي الربيع العربي، وصولاً إلى المرحلة الرابعة التي نعيشها منذ مرسوم "كورا إيطاليا" ثم مرسوم أوكرانيا.


هذه الموجة الأخيرة أعادت رسم الجغرافيا المهنية للقطاع الصحي: كوادر من شمال أفريقيا، أوروبا الشرقية، جنوب آسيا، أمريكا اللاتينية… جميعهم يشكّلون شبكة دعم حقيقية للمستشفيات ودور الرعاية ومرافق الطوارئ، في بلد يعاني منذ سنوات من نقص بنيوي في الأطباء والممرضين.


الهجرة الصحية ليست خطراً… بل فرصة

يتساءل البعض: هل يشكّل وصول هذا العدد من المهنيين تهديداً للمنظومة الإيطالية؟ الجواب واضح: لافلولا هؤلاء، لوجدت البلاد نفسها مكشوفة أمام أزمة الوباء، أو عاجزة عن إدارة خدمات الرعاية اليومية.

لقد أثبت المتخصصون الأجانب خلال الجائحة – وبعدها – أنهم ليسوا مجرد "سدّ للنقص"، بل شركاء فعليون في إنقاذ النظام الصحي، سواء في غرف الطوارئ أو وحدات العناية المركزة أو دور المسنين.


وبالرغم من هذا… ما زالت البيروقراطية تعرقل المسار

المفارقة أن آلاف المهنيين الذين دخلوا بشكل قانوني عبر المراسيم الاستثنائية لا يزالون محاصرين بإجراءات الاعتراف بالمؤهلات.

بعضهم يعمل بنصف كفاءته، وبعضهم انسحب بالكامل من سوق العمل، وآخرون ينتظرون دورهم في طوابير طويلة لدى وزارة الصحة.

أمام هذا المشهد، تتقدّم «نقابة الأطباء من أصل أجنبي في إيطاليا» و«الرابطة الطبية الاوروبيه الشرق اوسطية الدولية» و«متحدون من أجل الوحدة» بطلب واضح:
تنظيم وضع كل من دخل عبر مرسوم كورا إيطاليا ومرسوم أوكرانيا، ووضع سجلّ وطني للمهارات، وتبسيط مسارات الاعتراف بالمؤهلات.

فهل من المنطقي أن تفتح الدولة أبوابها للكوادر الصحية في لحظة طوارئ… ثم تتركهم عالقين عندما تنتهي الأزمة؟


تنوّع صحي… يعني نظاماً صحياً أقوى

الإحصاءات تعكس ثراء الخلفيات الثقافية:

  • ممرضون من أوكرانيا ورومانيا ومولدوفا والفلبين والهند وبنغلاديش وأمريكا اللاتينية وشمال أفريقيا؛

  • وأطباء من مصر وسوريا ولبنان وتونس والمغرب والجزائر والهند وباكستان وأوكرانيا وإيران ودول أخرى.

هذا التنوع لا يصنع فقط قوة مهنية، بل يصنع رعاية صحية متعددة الثقافات، قادرة على التواصل مع مجتمعات مهاجرة واسعة داخل إيطاليا نفسها.

الصحة العالمية… ليست شعاراً بل مستقبل

لقد أصبحت إيطاليا – شاءت أم أبت – مختبراً دولياً للتعاون الصحي.
والمعادلة بسيطة:

  • كل طبيب أو ممرض أجنبي يعمل في إيطاليا هو سفير للرعاية الصحية العالمية.

  • وكل نظام صحي منفتح على الكفاءات هو نظام قادر على مواجهة المستقبل.

  • أما البيروقراطية، فهي الخطر الحقيقي، لأنها تهدر المواهب وتكسر الحافزية وتضعف القدرة على الاستجابة.

الرسالة الأهم

الصحة ليست حدودا.
الصحة جسور.
وإيطاليا قادرة – إذا أرادت – أن تتحول إلى نموذج أوروبي في دمج الكفاءات الأجنبية، بدل أن تظل دولة تعتمد عليها صامتة… ثم تتردد في الاعتراف بها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلان اسفل المشاركات

كن على أتصال

أكثر من 600,000+ متابع على مواقع التواصل الإجتماعي كن على إطلاع دائم معهم

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

جرائم قتل النساء في إيطاليا