الإيطالية نيوز، الخميس 4 ديسمبر 2025 – منح الرئيس الأميركي «دونالد ترامب»، يوم الثلاثاء، عفوًا ل«خوان أورلاندو هيرنانديز»، الرئيس السابق لهندوراس، الذي كان يقضي عقوبة بالسجن 45 عامًا في الولايات المتحدة بعد إدانته بتهم تتعلَّق بتهريب الكوكايين. وجاء القرار مفاجئًا لكثيرين، خصوصًا أنَّه يتناقض مع الخطاب المتشدد الذي يتبناه «ترامب» تجاه قضايا المخدرات. فمنذ أشهر، يروّج «ترامب» لعمليات عسكرية وضربات جوية تستهدف قوارب يُشتبه بأنها تقل مُهرِّبي مخدِّرات في البحر الكاريبي، لكنَّه في الوقت نفسه أطلق سراح «هيرنانديز»، الذي كان محتجزًا في الولايات المتحدة بسبب دوره في إدخال أكثر من 400 طن من الكوكايين إلى البلاد، ووُصف في أحكام القضاء الأميركي بأنه في قلب «أكبر وأعنف شبكات التآمر في العالم لتسهيل الاتجار بالمخدِّرات».
وجاء العفو نتيجة جهود ضغط طويلة قادها مقرَّبون من «ترامب» تربطهم بِـ «هيرنانديز» مصالح متعدِّدة، معظمها اقتصادية. كما لم تكن توقيتات القرار عشوائية؛ إذ جاءت ضمن محاولة للتأثير في الانتخابات الرئاسية في هندوراس المقررة في 30 نوفمبر. فقد أعلن «ترامب» العفو قبل يومين فقط من موعد الاقتراع، وأعلن عن دعمه لمرشَّح المحافظين المنتمي إلى حزب «هيرنانديز». ولم تُعلَن النتائج حتَّى الآن.
يبلغ عدد سكان هندوراس نحو 10 ملايين نسمة، وهي تُعدّ من أفقر دول أمريكا الوسطى وأكثرها فسادًا، كما تُسجِّل أحد أعلى معدَّلات جرائم القتل في العالم، نتيجة النفوذ الهائل للعصابات الإجرامية التي تتولَّى أساسًا إدارة عمليات تهريب المخدِّرات من المكسيك إلى الولايات المتحدة. ويبلغ عمر «خوان أورلاندو هيرنانديز»، المعروف أيضًا بحروف اسمه الأولى JOH»، 57» عامًا، وهو أحد أبرز قيادات الحزب الوطني. وقد لعب دورًا محوريًا في سياسة هندوراس خلال الخمسة عشر عامًا الماضية، وشغل منصب الرئاسة لولايتين بين عامي 2014 و2022.
في الأثناء، كانت الولايات المتحدة تُحقِّق في تورُّط «هيرنانديز» في شبكات الاتجار الدولي بالمخدِّرات. وفي عام 2022، قامت رئيسة هندوراس «شيومارا كاسترو» (المحسوبة على اليسار) بتسليمه إلى الولايات المتحدة، حيث أثبت الادِّعاء خلال المحاكمة أنَّ علاقات «هيرنانديز» مع الجماعات الإجرامية بدأت منذ عام 2009، إبَّان فترة عضويته في البرلمان. وخلافًا لكثير من السياسيين في هندوراس، لا ينحدر «هيرنانديز» من عائلة ثرية، بل ولد لأسرة من مزارعي القهوة؛ وكانت صعوده السياسي السريع مدعومًا بدرجة كبيرة بعلاقات مع شبكات تهريب المخدِّرات التي ساندته.
وخلال المحاكمة، تبيَّن أنَّ «هيرنانديز» استخدم الشرطة والجيش لتسهيل نشاط المجموعات الإجرامية المقرّبة منه وعرقلة المجموعات المنافِسة، وأنَّ عائدات تهريب المخدرات استُخدمت في تمويل حملاته الانتخابية. كما ظهر أنَّه جرى قتل أحد أفراد عصابة إجرامية داخل السجن لأنَّه كان يُعدّ خطرًا على «هيرنانديز». وشهد أفراد من جماعات إجرامية متعدِّدة بأنَّهم دفعوا مبالغ مالية ضخمة لرشوته والحصول على امتيازات منه؛ بل إنَّ تاجر المخدرات المكسيكي الشهير «خواكين إل تشابو غوسمان» دفع له رشوة بقيمة مليون دولار.
ورغم ذلك، ظلّ «هيرنانديز» يؤكِّد على براءته، مُدَّعيًا أنَّه ضحية مؤامرة ذات دوافع سياسية.
قبل محاكمته، كانت تربط «هيرنانديز» علاقات ممتازة بعدَّة إدارات أمريكية؛ فقد وصفه «باراك أوباما» بأنَّه أحد «الشركاء المتميزين» للولايات المتحدة، بينما اعترف دونالد «ترامب» بفوزه في الانتخابات الرئاسية المتنازَع عليها في هندوراس عام 2017، وأشاد لاحقًا بجهوده وفاعليته في مكافحة تهريب المخدِّرات. وحتّى قبل انتهاء التحقيقات، كانت إدارة «جو بايدن» تعتبره حليفًا في الحدِّ من تدفُّقات الهجرة.
وقد بنى «هيرنانديز» علاقات قوية داخل الولايات المتحدة خصوصًا خلال الولاية الأولى لِـ «ترامب» (2017–2021). واقترب من اليمين الأمريكي مقدِّمًا نفسه كحليف في التصدي للمهاجرين، كما نجح في الدخول إلى دوائر المال والأعمال. وأتاح له ذلك إطلاق مشروع «مناطق التشغيل والتنمية الاقتصادية» (ZEDE)، وهي بمثابة مدن مستقبلية كان من المفترض أن تُقام على ساحل هندوراس. وفي تلك المناطق، كان من المقرَّر أن يحظى المستثمرون الأمريكيون بضرائب منخفضة أو معدومة، فضلًا عن قوانين عمل أكثر مرونة وضمانات قانونية تُصاغ بالتشاور معهم.
وقد شُيِّد جزء من هذه المناطق بالفعل، وقُدِّمت على أنَّها نسخة كاريبية من «هونغ كونغ»، بتمويل من رواد أعمال وتقنيين مقرَّبين من «ترامب»، مثل «بيتر ثيل» و «مارك أندريسن». لكن بعد انتهاء الولاية الثانية لِـ «هيرنانديز»، توقَّفت المشاريع وأعلنت المحكمة عدم دستورية الـ «مناطق التشغيل والتنمية الاقتصادية». وردًّا على ذلك، قدّم المستثمرون الأمريكيون دعوى تعويض بقيمة 11 مليار دولار، وهو ما يعادل نحو ثلث الناتج المحلي الإجمالي لهندوراس.
في الولايات المتحدة، يُعدّ «روجر ستون» –الناشط اليميني واللوبيست المعروف منذ سبعينيات القرن الماضي، والمستشار القديم لِـ «ترامب»– من أبرز المؤيِّدين لمناطق «مناطق التشغيل والتنمية الاقتصادية»، وكان أيضًا من أكثر الدّاعمين لمنح العفو لِـ «هيرنانديز». وقد نجح «ستون»، إلى جانب النائب الجمهوري «مات غيتس»، أحد رموز الجناح الأكثر تطرُّفًا في «الحزب الجمهوري»، في طرح القضية أمام «ترامب»، واعتبرا أن إدانة «هيرنانديز» نتيجة «مؤامرة» بين اليسار الأميركي والحكومة الجديدة في هندوراس، التي وصفاها بأنَّها «شيوعية».
وكان «هيرنانديز» قد طلب رسميًا من «ترامب» منحه العفو عبر رسالة أبرز فيها ما اعتبره تشابهًا بين قضيته ووضع الرئيس الأميركي الحالي. وبرأيه، فإنًّ كليهما ضحية لـ«الدولة العميقة»، و«مؤامرة قانونية»، و«اضطهاد سياسي». وقد استجاب «ترامب» للطلب من دون تقديم أي تفسير أو دليل على وجود مؤامرة مفترضة ضد «هيرنانديز».
ولم يتَّضح بعد ما إذا كان «هيرنانديز» يُخطِّط للعودة إلى هندوراس؛ إذ إن خبر تسليمه إلى الولايات المتحدة في عام 2022 استُقبل بترحيب شعبي واسع، وشهدت الشوارع احتفالات. وبعد مرور ثلاث سنوات، وبفعل حملة قوية وفعَّالة شنّها حزبه للتأكيد على براءته، بات الرأي العام منقسِمًا بعمق بين من يعتبره أحد أبرز أسباب أزمات البلاد، ومن يرى أن الأوضاع الأمنية تدهورت بعد تغيير الحكومة ويقف أقل انتقادًا له.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق