وتنتقد الوثيقة ما تصفه بـ“الانحراف في المسار الأوروبي”، مؤكِّدةً على أنَّ القارَّة العجوز أصبحت منطقة “متدهورة” تعاني من سياسات هجرة غير مُنضبِطة، وتَراجُع في معدَّلات الولادة، وفقدان للهوية الوطنية، ما يجعل العديد من دول الاتحاد “حلفاء غير موثوقين” للولايات المتحدة.
وفي محاولة لاحتواء الجدل، قَلَّلت الممثِّلة العليا للسياسة الخارجية في «الاتحاد الأوروبي»، «كايا كالاس»، من أهمِّية ما ورد في التقرير، مكتفيةً بالتذكير بأنَّ “الولايات المتحدة هي أهم حلفاء الاتحاد”، وأنَّ استمرار التعاون بين الجانبين يصبُّ في “مصلحة «واشنطن» نفسها”. وعلى النقيض، تبنَّت قطاعات من الطبقة السياسية الإيطالية خطاب «ترامب»، معتبرةً أنَّ الرسالة الأميركية تؤكِّد على ضرورة تعزيز الإنفاق العسكري الأوروبي.
“إبقاء الولايات المتحدة الأمة الأقوى”
الوثيقة الصادرة أمس توضِّح أنَّ الهدف المركزي للاستراتيجية هو ضمان بقاء الولايات المتحدة “الدولة الأقوى والأغنى والأكثر قدرة ونجاحًا” في العالم. ولتحقيق ذلك، ترى «واشنطن» ضرورة توجيه سياسات حلفائها وصياغة علاقاتهم التجارية وفقًا لمقاربة جديدة، تتخلَّى عن “ذريعة نشر الديمقراطية” كأداة للتأثير، وتُركِّز بدلًا من ذلك على تعزيز نموذج الدولة القومية، باعتبار أنَّ “العالم يعمل بشكل أفضل حين تعطي الدول الأولوية لمصالحها الوطنية”. ومع ذلك، تُشدِّد الاستراتيجية على أنه “لا ينبغي لأي دولة أن تصبح مهيمنةً إلى حدِّ يُهدِّد المصالح الأميركية”.
وفي الشقِّ الداخلي، تدعو الوثيقة إلى تعزيز القدرات العسكرية ومنع الهجرة بالكامل، بالتوازي مع الحفاظ على “استقرار معقول” في نصف الكرة الغربي، بهدف “منع تدفُّقات الهجرة الجماعية نحو الولايات المتحدة”. وتؤكد أن عهد “تحمّل الولايات المتحدة كلفة النظام الدولي بالكامل” قد انتهى، وأن على الحلفاء في العالم المتقدِّم تُحَمِّل مسؤولية استقرار مناطقهم—مع الالتزام في الوقت ذاته بالمعايير الأميركية، ومنها رفع إنفاق دول «الناتو» على الدفاع إلى %5 من الناتج المحلي.
أوروبا “تتخلَّف عن الركب”
وترى الاستراتيجية الأميركية أنَّ أوروبا باتت عاجزةً عن مواكبة المتغيِّرات الكبرى، ليس فقط بسبب ضعف الإنفاق العسكري والركود الاقتصادي، بل نتيجة ما تعتبره اختلالات بنيوية تُهدِّد هوية القارَّة ومستقبَلها. وتشمل هذه الاختلالات—بحسب التقرير—سياسات الهجرة، وتدخُّلات «الاتحاد الأوروبي» والمؤسَّسات فوق الوطنية التي “تُقوِّض الحرية والسيادة السياسية”، إضافة إلى “القمع المتزايد للمعارضة السياسية”، وانهيار معدَّلات الخصوبة، و“فقدان الثقة والهوية الوطنية”.
وتَخلُص الوثيقة إلى أنَّ الحفاظ على أوروبا “أوروبيةً” يتطلَّب “تصحيح المسار” عبر بناء منظومة دفاعية مستقلَّة، وإعادة التوازن في العلاقات مع روسيا، وتعزيز نفوذ “الأحزاب الأوروبية الوطنية” (في إشارة واضحة إلى أحزاب اليمين التي يدعمها مسؤولون أميركيون، بينهم نائب الرئيس «جي. دي. فانْس»).
إيطاليا تتماهى مع موقف ترامب
ورغم رد الفعل الأوروبي الفاتر، تبنَّت «روما» سريعًا خطاب «واشنطن». وقال وزير الدفاع الإيطالي «غُويدو كروزيتّو» إنَّ «ترامب» “أوضح أنَّ «الاتحاد الأوروبي» لا يُمثِّل قيمة استراتيجية” في المنافسة المتصاعدة مع الصين، لأنَّه “يفتقر إلى الموارد الطبيعية المهمَّة”، و“يخسر سباق الابتكار والتكنولوجيا”، و“لا يمتلك قوة عسكرية فاعلة”، مشيرًا إلى ضرورة زيادة الاستثمارات في القطاع الدفاعي كخيار وحيد لاستعادة الدور الأوروبي.
Da 3 anni, in privato, incontri, riunioni dei ministri, interviste, dico ciò che ieri è stato codificato nella Strategia di Sicurezza Nazionale USA e cioè che il rapporto con l’EU sarebbe mutato e che le garanzie di difesa regalate dopo il ‘45 sarebbero finite velocemente.
— Guido Crosetto (@GuidoCrosetto) December 6, 2025
Era…
موقف مشابه عبَّرت عنه رئيسة الوزراء «جورجا ميلوني»، التي قالت في مقابلة مع «إنريكو منتانا» إنه “لا وجود لتصدُّع في العلاقات بين الولايات المتحدة وأوروبا”، مؤكِّدةً على اتفاقها مع بعض النقاط التي طرحها «ترامب»، وأبرزها “تصحيح سياسة الهجرة الأوروبية”.
La mia intervista di poco fa al TG LA7. Buona serata. pic.twitter.com/CDtwLYPW6a
واعتبرت «ميلوني» أنَّ أوروبا تمرّ بـ“مسار تاريخي لا مفر منه”، يتمثل في ضرورة أن تُصبح “قادرة على حماية نفسها من دون الاعتماد على الأخرين”، رغم “التكلفة الاقتصادية” المترتِّبة على ذلك، والتي “تكفل في المقابل استقلالًا سياسيًا أكبر”.
