رهائن حتى بعد الموت: إسرائيل تحتجز جثامين فلسطينيين - الإيطالية نيوز

إعلان فوق المشاركات

رهائن حتى بعد الموت: إسرائيل تحتجز جثامين فلسطينيين

رهائن حتى بعد الموت: إسرائيل تحتجز جثامين فلسطينيين

الإيطالية نيوز، الأحد 14 ديسمبر 2025 –  تحتجز إسرائيل ما لا يقل عن 2200 جثمان لفلسطينيين، من بينهم 762 جثمانًا انتُزعت من داخل «الضفة الغربية» المحتلة، ونحو 1500 جثمان حُرمت عائلاتهم في «قطاع غزة» من تسلّمها. وضمن السياسات القمعية التي تنتهجها إسرائيل، لا يسلم الفلسطينيون حتّى بعد موتهم، إذ يتحوَّل احتجاز الجثامين إلى شكل إضافي من التعذيب ووسيلة من وسائل «العقاب الجماعي» بحقِّ عائلاتهم.


ويُدفَن عددٌ كبيرٌ من هذه الجثامين في ما يُعرَف بـ«مقابر الأرقام»، وهي مساحات من الأرض الخالية من الشواهد والأسماء، لا تحمل سوى لوحة معدنية صغيرة كُتِب عليها رقم، ومغروسة في التراب العاري. وتُصنَّف هذه المقابر مناطقَ عسكرية مغلقة يُمنع الوصول إليها. وتنتشر ست مقابر من هذا النوع، وفق المعلومات المتوافرة، في محيط «أريحا»، وصحراء «النقب»، ومرتفعات «الجولان».


أما الجثامين الأخرى، فتُحتجز في ثلاجات معهد «أبو كبير» للطب الشرعي في «تل أبيب»، بينما يُخزَّن بعضها في حاويات مبرِّدة خارج مركز الاحتجاز في «سدي تيمان».


ويقول الدكتور «حسين شجاعية»، عضو منظمة «جلاك» (مركز القدس للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان Jlac) الإنسانية الفلسطينية، في حديث إلى موقع «إل إنديبندينتي»: منذ عام 1967، دأبت إسرائيل على مصادرة جثامين الفلسطينيين الذين قتلتهم بشكل منهجي. وأضاف أن هذه الممارسة بدأت منذ الأيام الأولى للاحتلال، ثم جرى تقنينها تدريجيًا وإدماجها في التشريعات الإسرائيلية.


وتتابع منظمة «جلاك» ملفات 762 جثمانًا لفلسطينيين قُتلوا في «الضفة الغربية»، في حين لا تتوافر لديها معلومات فعلية عن مصير الجثامين الأخرى. ويُعد احتجاز الجثامين ممارسة استعمارية قديمة، عانى منها الفلسطينيون أيضًا خلال فترة الاحتلال البريطاني.


وتمكَّنت حملة «جلاك»، التي انطلقت قبل 18 عامًا للمطالبة باستعادة الجثامين المحتجَزة، من استرجاع 121 جثمانًا من «مقابر الأرقام»، ونحو 300 جثمان من الثلاجات. ويشير «شجاعية» إلى أن أولى هذه النجاحات تمثلت في استعادة جثمان «مشهور العروري»، الذي احتجزته إسرائيل لمدة 34 عامًا.


ووفقًا للمعطيات المتوافرة لدى المنظَّمة، تضم الجثامين المحتجزة 75 طفلًا، و89 أسيرًا توفوا داخل السجون، إضافة إلى 10 نساء.


السياسة النخرية الإسرائيلية: أداة للهيمنة والقمع

الدكتور «حسين شجاعية» في مكتبه – تصوير:«مويرا أمارغي»
يُعدّ احتجاز الجثامين جزءًا مما يصفه باحثون بمفهوم «السياسة النَّخْرية» أو ما تُسمَّى أيضًا بعبارة أخرى «سلطة الحياة والموت» (Necropolitics)، أي توظيف الموت كأداة للسلطة والهيمنة. فمن خلال حرمان الفلسطينيين من حقِّهم في تشييع موتاهم والحِداد العلني عليهم، تُمارِس سلطات الاحتلال الإسرائيلي سيطرتها حتّى على أكثر مظاهر الفقدان خصوصية وإنسانية. ويُشكّل رفض إسرائيل تسليم الجثامين امتدادًا منهجيًا للهيمنة الاستعمارية، إذ يُعاقَب الفلسطينيون مرتين: في حياتهم وبعد موتهم. ومن خلال تحويل الجثامين إلى أوراق مساومة، وحرمان العائلات من حق وداع أحبّائها، تسعى إسرائيل إلى طمس الذاكرة الجماعية والتحكم في الطقوس الدينية المقدسة.


ورغم أن توجيهًا صدر عام 2004 حدّ مؤقتًا من هذه السياسة، فإنها أُعيد تفعيلها عام 2015 بذريعة الاستناد إلى البند 133(3) من أنظمة الانتداب البريطاني. وفي عام 2017، قضت المحكمة العليا الإسرائيلية بعدم وجود أساس قانوني لاحتجاز الجثامين، لكنها علّقت تنفيذ قرارها، مانحة الحكومة مهلة لسنّ تشريع ينظم هذه الممارسة.


وردّ «الكنيست» عام 2018 بتعديل ما يُعرف بـ«قانون مكافحة الإرهاب»، ليُضفي غطاءً قانونيًا صريحًا على احتجاز الجثامين. وفي عام 2019، تراجعت المحكمة عن قرارها السابق، وسمحت بالاحتجاز «لأغراض التفاوض» — أي باعتباره ورقة مقايضة — إذا كان المتوفى منتميا إلى حركة «حماس» أو قد نفّذ ما وُصف بـ«عملية كبيرة». وفي عام 2020، جرى توسيع نطاق هذه السياسة لتشمل جميع الفلسطينيين المتهمين بتنفيذ هجمات مزعومة. غير أنَّ هذه الشروط، كما يؤكد الدكتور «حسين شجاعية»، لا تنطبق على عدد كبير من الشهداء الذين لا تزال جثامينهم محتجَزة. ويقول: “منذ عام 2019، يبدو أنهم باتوا يصادرون جثامين كل من يستطيعون الوصول إليه تقريبًا.


يقول الدكتور «حسين شجاعية»: “إن احتجاز الجثامين يشكّل وسيلة إضافية للسيطرة علينا، إلى جانب الحواجز والجدران والسجون وهدم المنازل وغيرها. الرسالة واضحة: كل من يفعل شيئًا ضد إسرائيل سيُقتل، وسيتحوّل جسده إلى رقم، إلى لا شيء. ويضيف أن ما لا يقل عن 470 جثمانًا لا تزال محتجَزة منذ عام 2015، وهي أرقام تعكس تصاعد هذه الممارسة خلال السنوات الأخيرة.


وفي بعض الحالات، اقتحمت قوات الجيش الإسرائيلي مستشفيات في «الضفة الغربية» كانت تحتفظ بجثامين الشهداء بانتظار مراسم الدفن، وقامت بمصادرتها. ويؤكِّد «شجاعية» على أنَّ “دفن الجثامين يحدث في ظروف تنتهك كل معايير حقوق الإنسان، موضِّحًا: “في المقابر، تُوارى الجثث على عمق ضحل لا يتجاوز بضعة سنتيمترات تحت سطح الأرض، ما يجعلها عرضةً لنبش الحيوانات أو لجرفها بفعل أمطار الشتاء. أمَّا في الثلاجات، فتُحفظ بدرجات حرارة شديدة الانخفاض؛ فبينما يُفترض أن تُحفظ الجثامين عند درجات تتراوح بين ناقص 6 و10 درجات مئوية، تُحتجز جثامين الفلسطينيين في إسرائيل عند ناقص 30 درجة.


وعندما تنجح العائلات في استعادة رفات أبنائها، تكون الجثامين في أوضاع مأساوية، إما متحلِّلة أو متجمِّدة إلى درجة تتطلَّب أيامًا لفك تجميدها. وفي كثير من الحالات، يصبح إجراء التشريح مستحيلًا، ما يُصعِّب حتَى تحديد سبب الوفاة.


ويتابع «شجاعية:» “حتَّى عندما تُعاد الجثامين إلى ذويها، تفرض إسرائيل شروطًا عقابية على مراسم الدفن. يجب أن يُجرى الدَّفن ليلًا، وبحضور لا يتجاوز 22 إلى 25 شخصًا. يُحظر التقاط الصور أو تسجيل مقاطع فيديو، وتُجبر العائلة على دفع رسوم للسلطات الإسرائيلية نفسها. وفي «القدس»، يوضِّح، “تُوزَّع أساور على الأشخاص المسموح لهم بحضور الجنازة، وعددهم 22، بهدف مراقبة العدد عبر الطائرات المسيَّرة — التي تُستخدَم غالبًا في مثل هذه المناسبات — وكذلك من خلال الحرَّاس عند مداخل المقابر.


ويصف «شجاعية» هذه الإجراءات بأنَّها شكل إضافي من أشكال الانتقام من العائلات، التي تنتظر سنوات طويلة ثم تُحرَم حتَّى من إقامة مراسم وداع تليق بتقاليدها. ويقول: “جثامين الفلسطينيين أشبه بالرهائن. تُستخدم في عمليات التبادل. اليوم، ينصبّ الاهتمام كله على جثمان آخر إسرائيلي في غزة، في حين لا يتحدث أحد عن ما لا يقل عن 2000 جثمان فلسطيني تحتجزها إسرائيل.


ويشير إلى أن العدد الحقيقي قد يكون أعلى من ذلك بكثير، في ظل غياب أرقام دقيقة بشأن الجثامين التي صودرت من «قطاع غزة»، حيث تقتصر المعلومات المتاحة على مصادر إسرائيلية تشير إلى احتجاز نحو 1500 جثمان في مركز «سدي تيمان». كما تفيد التقارير باحتجاز جثامين لمواطن كندي، وآخر أميركي من أصول مغربية، ومواطن أردني، واثنين من اللبنانيين داخل إسرائيل.


وكانت عائلات الشهداء في طليعة هذا الحراك، إذ خرجت في احتجاجات إلى الشوارع وأصرَّت على حقِّها في دفن أبنائها. وتعكس أصوات هذه العائلات الأبعاد الشخصية والجماعية لهذه القضية: السكينة لذوي الضحايا، والكرامة للمتوفِّين، وصون الذاكرة الجماعية للمجتمع. وتؤكد حملة «جلاك» أن هذه المسألة ليست هامشية، بل تُمثِّل قضية جوهرية في صلب النضال الفلسطيني ضد سياسات التطهير العرقي.


الخوف من سرقة الأعضاء من «الجثامين-الرهائن»

تُعَدُّ مسألة سرقة الأعضاء بين أكثر القضايا التي تؤرق عائلات الشهداء. ورغم عدم توافر أدلة جنائية قاطعة تثبت قيام إسرائيل، خلال العقدين الماضيين، بسرقة أعضاء أو أنسجة جلدية من جثامين الفلسطينيين في «الضفة الغربية»، فإن هذا الملف لا يزال مفتوحًا، لا سيما في ظل الصعوبات التي تعترض، في كثير من الأحيان، إجراء عمليات التشريح.


وتؤكِّد معطيات موثَّقة على أنَّ سرقة الجلد والقرنيات والأعضاء الداخلية كانت ممارسة راسخة في معهد «أبو كبير» للطب الشرعي في «تل أبيب»، وذلك على الأقل إلى أن تفجَّرت القضية إعلاميًا، مُسلِّطةً الضَّوء على شبكات الاتجار بالأعضاء في إسرائيل. وعلى مدى عقود، دأبت عائلات فلسطينية على الإبلاغ عن مؤشِّرات واضحة لعمليات نزع أعضاء من جثامين بعض الشهداء التي أُعيدت إليها، غير أنَّ هذه الشكاوى ظلت مهمَّشة ولم تلقَ اهتمامًا يُذكَر.


ولم يبدأ التعامل الجِدِّي مع هذه الاتِّهامات إلا بعد التحقيق الذي قادته عالِمة الأنثروبولوجيا الأميركية «نانسي شيبر-هيوز»، ثم التحقيق الصحفي الذي أنجزه الصحفي السويدي «دونالد بوستروم». وكان مدير معهد «أبو كبير» نفسه، الدكتور «يهودا هيس»، قد أَقرَّ بوقوع سرقات منهجية للأعضاء، وذلك في مقابلة مع «شيبر-هيوز» عام 2000، ثم مُجدَّدًا خلال التحقيق الذي فتحته الشرطة الإسرائيلية عام 2005.


ووفقًا لهذه التحقيقات، كانت الأعضاء التي تُستخرَج من الجثامين تُباع لمؤسَّسات بحثية، وللجيش، ولمشترين في أنحاء مختلفة من العالم. وتشير المعطيات إلى أنَّ هذه الممارسات طالت أيضًا جثامين إسرائيليين، وإن كان ذلك على نطاق أضيق، نظرًا لسهولة الوصول إلى جثامين الفلسطينيين، وللاعتقاد السَّائد بأن شكاوى عائلاتهم لن تُؤخَذ على محمل الجد.


ويقول الدكتور «حسين شجاعية» في هذا السياق: “يجب التذكير بأن إسرائيل تمتلك أكبر بنك للجلد في العالم

بسبب الآثار البالغة للتعذيب، والتشوّهات الناجمة عن استهداف الدبابات، والاشتباه بسرقة أعضاء على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي، تعجز العائلات والفرق الطبية، في معظم الحالات، عن التعرّف إلى هويات الضحايا.
اليوم، يتصدَّر الجرّاح البريطاني-الفلسطيني الدكتور «غسّان أبو ستَّة»، إلى جانب عدد من الأطباء، مشهد الاتِّهامات المتعلِّقة بإزالة منهجية لأعضاء من جثامين فلسطينيين أُعيدت مؤخَّرًا بعد مقتلهم في «قطاع غزة». ويؤكد «أبو ستة» على وجود «أدلَّة على سرقة منظَّمة للأعضاء»، مشيرًا إلى أنَّ العديد من الجثامين كانت تفتقد إلى القلب والرئتين والكليتين والقرنيات، وتظهر عليها شقوق جراحية ممتدَّة من الصدر إلى البطن، وآثار خياطة طبية، إضافة إلى شقوق أُجريت بمناشير طبية، ووجود بقايا مواد كيميائية حافظة على الجلد. ويرى «أبو ستة» أن هذه المؤشِّرات تمثِّل أدلَّة وبراهين واضحة على عمليات استئصال احترافية لأغراض الزَّرع، جرت تحت إشراف أطباء إسرائيليين.


وعقب تقارير قدَّمها مختصون طبيون في «قطاع غزة» بعد فحصهم عددًا من الجثامين، دعت منظمة «المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان» إلى فتح تحقيق دولي مستقل. كما وثَّقت المنظمة قيام القوات الإسرائيلية بنبش ومصادرة عشرات الجثامين من مستشفيات «قطاع غزة»، بينها مجمّع الشفاء الطبي.


غير أن المشكلة، كما يؤكد أطباء فلسطينيون، تكمن في أن سرقة الأعضاء لا يمكن إثباتها أو نفيها بشكل قاطع بالاعتماد على الفحوصات الجنائية وحدها، إذ إنَّ عددًا من الجثامين خضع لإجراءات جراحية قبل الوفاة، فيما أُعيدت جثامين أخرى في حالة تحلُّل أو تلف شديد. ومع ذلك، يشير الأطباء إلى وجود مؤشِّرات متعدِّدة تستدعي الاشتباه بحدوث سرقات محتملة للأعضاء على يد الجيش الإسرائيلي، ما يستوجب تحقيقًا معمَّقًا ومستقلًّا.


وتسهم هذه المعطيات في تعميق مخاوف العائلات الفلسطينية، التي تخشى أن تُنتهك جثامين أحِبَّائها وتُستغل لأغراض اقتصادية، في انتهاك صارخ جديد للمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، واعتداء مباشر على القيم الإنسانية ذاتها.

إعلان اسفل المشاركات

كن على أتصال

أكثر من 600,000+ متابع على مواقع التواصل الإجتماعي كن على إطلاع دائم معهم

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

جرائم قتل النساء في إيطاليا