وفي سجن «ريبيبيا» بالعاصمة «روما»، عُثر على امرأة تبلغ من العمر 59 عامًا ميِّتة داخل زنزانتها، وسط ترجيحات بأن تكون الوفاة ناجمة عن جرعة زائدة من المخدِّرات. وعلى بعد كيلومترات قليلة شمالًا، في سجن «مامّادجالا» بمدينة «فيتيربو»، أَقدم رجل يعاني من الإدمان على الانتحار داخل العيادة الطبية. أمَّا الحالة الرابعة، فسُجِّلت في سجن «بورغو سان نيكولا» بمدينة «ليتشي»، حيث عُثر على سجين منتحِرًا داخل زنزانته، من دون أن ينتبه زميله الذي كان يشاركه الزنزانة إلى ما حدث.
أربع وفيات خلال ليلة واحدة، تُضاف إلى أكثر من 200 حالة وفاة سُجِّلت في السجون الإيطالية منذ مطلع عام 2025، لكنَّها، قبل كل شيء، أربع حالات تُلخِّص بوضوح حجم الأزمة البنيوية والظروف الحرجة التي تعيشها المؤسَّسات العقابية في البلاد.
وأعلنت نقابات الشرطة السجنية، التي نقلت وسائل الإعلام بياناتها، إلى جانب منظَّمات تُعنى بحقوق السجناء مثل جمعية «أنتيغوني»، تفاصيل الوفيات الأربع الأخيرة. ويُعدُّ «فرانشيسكو فاليريانو» الضحية الوحيدة التي كُشفت هويَّتها. وكان يقضي عقوبة بالسجن لمدَّة عامين ونصف العام في سجن «ريبيبيا». وفي 30 يونيو الماضي، تعرَّض لاعتداء وحشي داخل زنزانته، نُقل على إثره إلى مستشفى «بوليكلينيكو أومبيرتو الأول» مصابًا بإصابات دماغية خطيرة، وخضع لعملية شق للقصبة الهوائية. وبعد تلقيه العلاج الأولي، نُقل إلى مستشفى خاص، قبل أن يُعاد إدخاله في 11 ديسمبر إلى مستشفى «تور فيرغاتا» في حالة حرجة، حيث توفي لاحقًا. ووصفت نقابة الشرطة السجنية المستقلَّة قضيته بأنها «نموذجية»، مؤكدة أن وفاته تعكس خللًا عميقًا في النظام السجني الإيطالي.
وبالتوازي مع وفاة «فاليريانو»، شهدت اللَّيلة نفسها، بين 11 و12 ديسمبر، حالة وفاة أخرى في القسم النسائي من سجن «ريبيبيا». ولا تتوافر معلومات كثيرة عن الضحية سوى أنها تبلغ 59 عامًا، وأنَّ الوفاة يُرجَّح أن تكون ناجمة عن جرعة زائدة من المخدِّرات. وقال الأمين العام لنقابة الشرطة السجنية، «ألدو دِ دْجاكُمو»، إنَّ هذه الفرضية تعزَّزت بعد نقل سجينة أخرى إلى المستشفى في اللَّيلة ذاتها إثر تعرضها لوعكة صحية.
وأضاف «دِ جاكومو» أنَّ هذه الحوادث ليست معزولة، موضِّحًا: «نحن أمام حالة جديدة من تفشّي المخدرات داخل السجون، وهو ما أدّى، خلال الأشهر الأخيرة فقط، إلى حالتي وفاة في سجن «سان فيتّوري» بميلانو، وإدخال ثلاثة سجناء في حالات خطرة إلى المستشفيات، إضافة إلى وفيات أخرى في «ريبيبيا» (القسم الرجالي)، وساساري، وغوريزيا، وريدجو إميليا، وفيرنسي». وأكد أن المخدرات «تتداول بحرية داخل السجون، وبمختلف الأشكال»، مشيرًا إلى أن كميات المواد المخدرة المضبوطة داخل المؤسسات العقابية منذ بداية العام بلغت نحو 65 كيلوغرامًا.
أما الوفاتان الأخيرتان فسُجلتا في «فيتيربو» و «ليتشي»، ويُعتقد أن السجينين أقدما على الانتحار، في إطار ظاهرة باتت ذات طابع ممنهج داخل السجون الإيطالية. فمنذ بداية العام، توفي 226 سجينًا داخل السجون، وهو ثالث أعلى رقم يُسجل على الإطلاق، بعد عامي 2024 و2023، فيما بلغ عدد حالات الانتحار حتى الآن 76 حالة.
وتدق منظمات حقوقية مثل «أنتيغوني»، ومؤسسات دولية كـمجلس أوروبا، وهيئات رسمية مثل «ضامن حقوق السجناء»، ناقوس الخطر إزاء الارتفاع الحاد في معدلات الانتحار داخل السجون. وتجمع التقارير والتحذيرات الصادرة عن هذه الجهات على ضرورة تحسين أوضاع المؤسسات العقابية، التي تعاني في كثير من الأحيان من التدهور وغياب الخدمات الأساسية، والعمل على تعزيز الصحة النفسية للسجناء من خلال توفير الدعم النفسي، واستحداث ما يُعرف بـ«غرف العلاقات الأسرية»، وزيادة فرص التواصل مع ذويهم. كما تسلط هذه التقارير الضوء على مشكلة الاكتظاظ، التي تجاوزت في مجمل السجون الإيطالية نسبة %138.
