السياسة الحكومية توقف دورات اللغة الإيطالية للمهاجرين وتزيد من الهامشية الاجتماعية - الإيطالية نيوز

إعلان فوق المشاركات

السياسة الحكومية توقف دورات اللغة الإيطالية للمهاجرين وتزيد من الهامشية الاجتماعية

السياسة الحكومية توقف دورات اللغة الإيطالية للمهاجرين وتزيد من الهامشية الاجتماعية

الإيطالية نيوز، الثلاثاء 16 ديسمبر 2025 – منذ عدة سنوات تشهد مراكز استقبال طالبي اللجوء في إيطاليا تراجعا متواصلا في تنظيم دروس اللغة الإيطالية، إلى حد أنها كادت تختفي تماما. ويأتي ذلك نتيجة سلسلة من المراسيم التي أقرتها حكومة «جورجا ميلوني»، وأدّت إلى إلغاء عدد من الخدمات المخصّصة للمهاجرين، بينها دورات اللُّغة، إضافةً إلى خدمات الدَّعم النفسي والمساعدة القانونية.


وتقول الحكومة إنَّ هذه الإجراءات تهدف إلى خفض النفقات العامَّة، غير أن منتقديها يرون أنها تحرم طالبي اللُّجوء من أداة أساسية للاندماج، تتمثَّل في تَعلُّم لغة البلد المضيف.


ويُحذِّر «فيليبّو ميراليا»، مسؤول ملف الهجرة في منظَّمة «آرتشي» (ARCI)، من أنَّ غياب دورات اللُّغة يجعل المقيمين في مراكز الاستقبال «في حالة شلل شبه تام، وكأنهم متروكون في مكانهم من دون القدرة على فعل أي شيء».


ويوضِّح أنَّ ذلك يعني عمليًا عدم قدرتهم على الدراسة أو العمل، أو بناء علاقات اجتماعية، أو حتّى فهم البيئة والمجتمع الذي وجدوا أنفسهم فيه. وبهذا، يُبقيهم النظام القائم في حالة انتظار قسري، من دون أدوات حقيقية للاندماج أو الاستقلال.


وتبرز هذه المشكلة على نحو خاص في «مراكز الاستقبال الاستثنائية» (CAS)، وهي المراكز التي تديرها المحافظات وتستقبل الغالبية العظمى من طالبي اللُّجوء بعد وصولهم إلى إيطاليا برا أو بحرا، إذ تشير أحدث البيانات إلى أنَّها تضمُّ نحو 73 في المئة من إجمالي طالبي اللُّجوء. وتُسند إدارة هذه المراكز إلى تعاونيات وجمعيات عبر مناقصات رسمية.


وفي هذه المراكز ينتظر المهاجرون البتّ في طلبات لجوئهم، أحيانا لأشهر، لكن في الغالب لسنوات. فإجراءات دراسة طلبات اللُّجوء قد تستغرق ما يصل إلى أربع سنوات، وغالبًا ما تطول المهل أكثر بسبب الطعون التي تُقدَّم بعد رفض الطلبات، وهو أمر بات يحدث بوتيرة متزايدة.


وخلال السنوات الأخيرة، أدَّت مجموعة من القوانين إلى تغيير آليات إدارة «مراكز الاستقبال الاستثنائية» والخدمات المقدَّمة داخلها. ففي عام 2018، نصَّ ما عُرِف بـ«مرسوم الأمن» الذي رَوَّج له «ماتِّيو سالفيني»، وزير الداخلية آنذاك في حكومة «جوزيبّي كونتي»، على عدم إلزام الجهات المشغِّلة لِـ «مراكز الاستقبال الاستثنائية» بتوفير دورات لغة للمهاجرين المقيمين فيها. وبعد إدخال تعديلات محدودة في عهد وزيرة الداخلية «لوتشانا لامورجيزي»، جرى تأكيد هذا التوجُّه مجدَّدًا في عام 2023 عبر ما سُمِّيَ «مرسوم كوترو»، الذي أَقرَّته حكومة «جورجا ميلوني».


وبموجب «مرسوم الأمن»، أُبقيت مشاريع الاندماج، بما في ذلك دورات اللُّغة الإيطالية، إلزامية فقط للفئات التي حصلت بالفعل على شكل من أشكال الحماية الدولية، وللقاصرين غير المصحوبين بذويهم، ولحاملي بعض أنواع الإقامات الخاصَّة. وهذه الفئات لا تُقيم في «مراكز الاستقبال الاستثنائية»، بل في مراكز استقبال أخرى تتبع للبلديات، مثل مراكز «نظام الاستقبال والاندماج» (SAI)، وهي أصغر حجمًا ويُنظر إليها على أنها أكثر فاعلية في دعم اندماج المقيمين فيها. غير أنَّ حكومة «ميلوني» قرَّرت حصر هذه المراكز بمن حصلوا مسبقًا على الحماية.


وفي الوثيقة الإرشادية التي أصدرتها وزارة الداخلية، والمحدّثة في عام 2024، لتحديد كيفية صياغة المناقصات الخاصَّة بإسناد إدارة «مراكز الاستقبال الاستثنائية»، يرد ذكر دورات اللغة الإيطالية، لكنها تُدرج فقط كمثال على الأنشطة الترفيهية أو التدريبية التي يمكن للجهات المشغِّلة توفيرها للمهاجرين، من دون أن تكون إلزامية. وهو ما يُكرِّس، عمليًا، غياب تعليم اللُّغة عن حياة آلاف طالبي اللجوء خلال سنوات انتظارهم الطويلة داخل هذه المراكز.


غياب دورات اللُّغة يزيد من صعوبات اندماج طالبي اللجوء في إيطاليا

أدى إلغاء إلزامية تنظيم دورات اللغة الإيطالية في «مراكز الاستقبال الاستثنائية» (CAS) إلى توقف معظم الجهات المشغِّلة عن تقديم هذه الدروس، ما يُقلِّص التكاليف ويسمح لهم بتقديم عروض أكثر تنافسية لإدارة المراكز. أمَّا الدورات القليلة المتبقِّية، فهي إمَّا نتيجة مبادرات ذاتية للجهات المشغِّلة، أو تُقدَّم بشكل تطوّعي ومجّاني من قبل جمعيات خارجية، التي كانت في الأصل تتدخَّل حتّى قبل صدور المراسيم، لكن تدخُّلها أصبح الآن الأساس.


ويشير «ماركو أميزولو»، عالم الاجتماع في معهد «أوريسبس»، إلى أنَّ الاعتماد على التطوُّع لا يمكن أن يكون حلاً مستداماً، لأنَّ تعليم اللُّغة للمهاجرين يتطلَّب خبرات متخصِّصة ينبغي أن يُقدِّمها محترفون. ويقول: «نتيجة هذه الإجراءات تمثّل أيضًا إضعافًا لنظام تعليم اللُّغة الإيطالية، الذي لا تُعترف فيه اليوم بالمهنية المطلوبة».


كما يمكن لطالبي اللُّجوء حضور دورات خارج «مراكز الاستقبال الاستثنائية»، لكن هذه البدائل غالبًا ما تكون محدودة في عدد المقاعد، وغير متاحة بسهولة، بالأخص أنَّ العديد من المراكز تقع في ضواحي المدن أو بلديات صغيرة ومعزولة، ما يضطرُّ المهاجرين لإنفاق ما لديهم من أموال محدودة على التنقُّل، في حين كثير منهم بلا موارد مالية تقريبًا.


ويؤكد «فيليبّو ميراليا» أنَّ غياب خدمات الاندماج مثل دورات اللُّغة يجعل المقيمين في المراكز يقضون شهورًا، وأحيانًا سنوات، من دون تكوين أي روابط مع المجتمع المحلّي، وحتّى من دون تعلُّم أساسيات اللُّغة. ونتيجة لذلك، يواجه الكثيرون خطر الوقوع في الهامشية الاجتماعية والاستغلال في سوق العمل، كما يظهر من مقابلات مع طالبي لجوء يعملون في مزارع العنب والزيتون في أقليم «توسكانا»، حيث يتحدَّثون الإيطالية بشكل محدود أو لا يتحدَّثونها إطلاقًا.


وتُبرِّر الأحزاب اليمينية في إيطاليا إلغاء الدورات من خدمات إدارة «مراكز الاستقبال الاستثنائية» بحُجَّة تخفيض التكاليف، وهو ما يرد أيضًا في نص الموافقة البرلمانية على تحويل «مرسوم الأمن» إلى قانون، حيث جاء أنَّ مشاريع الاندماج الاجتماعي «قُصرت من أجل ترشيد الموارد المخصَّصة للاندماج».


غير أن «جانفرانكو سكيـافوني»، رئيس «جمعية الاتحاد الإيطالي للتضامن» (ICS)، يشير إلى أنَّ الأموال المخصَّصة من الدولة لإقامة كل مهاجر في «مراكز الاستقبال الاستثنائية» لم تتغيَّر بشكل جوهري، إذ تتراوح الميزانية اليومية حسب المركز بين 24 و30 يورو لتغطية الإيجار والطعام والتنظيف والموظَّفين. والفَرق هو أنَّ الجهات المشغِّلة لم تعد مُلزَمة بتقديم خدمات محدَّدة، مثل دورات اللُّغة، ما يشير إلى أنَّ القرار له بعد سياسي واضح أكثر من كونه اقتصادي.


ويشير تقرير لـ«البوست» إلى أنَّ الحكومة ترى عدم جدوى تعليم اللُّغة الإيطالية للأشخاص الذين سترفض طلباتهم، وهو ما يحدث في كثير من الحالات، إذ يُعد المال المخصَّص لذلك هدرًا من وجهة نظرها.


ويجدر التذكير بأنَّ وزارة الداخلية لها تأثير مباشر على قبول أو رفض طلبات اللُّجوء، حيث ترأس لجان الفحص مسؤولو المحافظات التابعون للوزارة. ومنذ تولِّي حكومة «ميلوني»، ارتفعت نسبة الطلبات المرفوضة تدريجيًا: من %49.8 عام 2023، إلى %64 عام 2024، واليوم تصل إلى نحو %70، مقارنةً بمعدَّل أوروبي يبلغ %51.


ويلاحظ «ميراليا» أيضًا أنَّ الحكومات اليمينية تشهد ارتفاعًا في نسب رفض طلبات اللُّجوء، وهو ما يخلق مفارقة: فزيادة حالات الرفض تؤدِّي إلى تقديم المزيد من الطعون، وبالتالي بقاء المهاجرين لفترة أطول في المراكز، ما يرفع في النهاية تكاليف الإقامة على الدولة، عكس الهدف المعلَن لتخفيض النفقات.

إعلان اسفل المشاركات

كن على أتصال

أكثر من 600,000+ متابع على مواقع التواصل الإجتماعي كن على إطلاع دائم معهم

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

جرائم قتل النساء في إيطاليا