الإيطالية نيوز، الجمعة 5 ديسمبر 2025 – بعد محاولته دخول مجموعة «جيدي» الإعلامية، المالكة – بين عناوين أخرى – لصحيفتي «لاريبوبليكا» و «لاستامبا»، يخطو «ليوناردو ماريا ديل فيكيو» اليوم خطوة جديدة إلى قلب صناعة النشر في إيطاليا، عبر استحواذه على 30 في المئة من أسهم صحيفة «إل جورنالي»، من خلال شركته الاستثمارية القابضة «LMDV». وبدخول الابن الرابع المؤسس لِـ «لوكسوتيكا» إلى الصحيفة التي أسَّسها «إندرو مونتانيلّي» عام 1974، تبدأ ملامح مشروع لبناء إمبراطورية إعلامية، ويُستعاد سيناريو متكرِّر في التاريخ الاقتصادي الإيطالي: انتقال الثروات العائلية الكبرى من الصناعة والمال إلى السيطرة على المنصات التي يُصاغ من خلالها الرأي العام وتُوجَّه النقاشات العامَّة.
وفي بلد يعاني أزمة هيكلية في قطاع الصحافة، لا يعني وصول مساهم «قوي» تدفُّق رؤوس الأموال فحسب، بل يعيد رسم موازين القوى، ويثير تساؤلات حول استقلالية غرف التحرير، ويُعيد فتح ملف التعدُّدية الحقيقية للإعلام، وهو ملف لم يُحسَم بعد. وقبل توجهه «يمينًا» عبر صفقة إل جورنالي، كان «دِلْ فيكْيو» قد تقدَّم بعرض يقارب 140 مليون يورو للاستحواذ على عناوين مجموعة «جيدي»، إلَّا أنَّ العرض قوبل بالرفض من جانب «جون إلْكان». وبعد طي تلك الصفحة، أتم الوريث دخوله إلى الصحيفة الميلانية مقابل مبلغ يُقدَّر بنحو 30 مليون يورو، ليجاور «أنطونيو أنجيلوتشي»، مالك صحف أخرى ونائب برلماني عن حزب «الرابطة». وبالتوازي، استمرَّت الاتصالات للاستحواذ على الحصة المسيطرة في مجموعة «QN» التي تضمُّ «إل جورنو» (النهار) و«إلْ ريستو دّلْ كارْلينو» و «لا ناتْسيوني» (الأُمَّة)، والمملوكة لعائلة «مونتي ريفّيسر». وقراءة هذه التحرُّكات مجتمعةً توحي باستراتيجية متماسكة تهدف إلى بناء حضور عابر للتيارات في الصحافة الوطنية، رغم أنَّ هذا القطاع لا يعد بعوائد مالية مرتفعة، لكنَّه يوفِّر وجاهة ونفوذًا وشبكة علاقات، فضلًا عن قدرة غير مباشِرة على التأثير في الأجندة العامَّة والسياسية.
وقد جاءت ردود فعل وسائل الإعلام سريعة، ولا سيما من جانب «لا ريبوبليكا»، التي نشرت صورة نقدية غير معتادة لِـ «دِلْ فيكْيو» بعد انتقاله إلى «الضفَّة المنافسة»، بعدما كانت قد اعتمدت في السابق نبرة إيجابية حياله في أعمدتها.
«ليوناردو ماريا دِلْ فيكْيو»، الذي بات يتمتَّع بوزن ملحوظ في الصفحات الاقتصادية لأبرز الصحف الإيطالية، كان قد تَصدَّر العام الماضي العناوين القضائية على خلفية اتِّهامه بمراقبة بعض أفراد عائلته، وهي اتِّهامات نفَاها المعني ولا تزال قيد نظر القضاء. ورغم أنَّ صورته العامَّة غالبًا ما تُقدَّم على أنَّها صورة وريث شاب، حازم وطموح، فإنَّ قراءة أكثر نقدية تظهر عند التمعن في وضعه المالي. فالابن الرابع بين ستة أبناء مؤسِّس «لوكسوتيكا» انتهج خلال السنوات الأخيرة استراتيجية توسُّع تَعتمِد بشكل كبير على الاستدانة، مع التزامات مالية تتجاوز مئات ملايين اليوروهات.
ويشغل «دِلْ فيكْيو» منصب رئيس الاستراتيجيات في «إيسيلور لوكسوتِّيكا» ورئاسة «راي-بان»، فيما تمرُّ استثماراته الشخصية عبر شركة «LMDV Capital» التي تسيطر على 17 شركة أخرى. وتتحمَّل هذه الشركة القابضة جزءًا كبيرًا من الديون. ويُظهر ميزان عام 2024، الذي أُقرَّ في نهاية أكتوبر، إيرادات بقيمة 66.9 مليون يورو، وصافي ربح أولي متواضع بلغ 31,917 يورو فقط، بعد خسائر قدرها 1.855 مليون يورو في 2023 و1,129 يورو في 2022، وهو عام الانطلاق. ويبلغ صافي حقوق الملكية 156.443 مليون يورو، غيرَ أنَّ 146.728 مليون يورو منها غير متاحة، لكونها مخصَّصة ضمن احتياطي إعادة التقييم.
أمَّا ديون الشركة القابضة، فقد ارتفعت من 92 مليون يورو إلى 358 مليونًا، ومُوِّلت جزئيًا عبر قروض مصرفية وجزئيًا من خلال سندات داخلية مضمونة بتعهُّدات شخصية من «دِل فيكْيو» نفسه. ولا يقتصر اللُّجوء إلى الرافعة المالية على القروض وحدها، بل يشمل أيضًا ضمانات شخصية لصالح مؤسَّسات مصرفية كبرى، ما يعكس مستوى مرتفعًا من التعرُّض المالي الفردي لدعم الشركة القابضة. ورغم أن هذه الديون مغطّاة بأصول وحصص ذات قيمة، فإنَّها ترسم صورة تكون فيها السيولة الفعلية والصلابة المالية أقل بداهة ممَّا قد توحي به الثروة العائلية.
وفي هذا السياق، يكتسب الدخول إلى قطاع منخفض الربحية مثل الصحافة دلالة إضافية: فهو ليس مجرَّد خطوة رمزية، بل محاولة لتعزيز الحضور العام وبناء شبكة علاقات في مرحلة تتعرَّض فيها البنية المالية الشخصية والمؤسَّسية لضغوط متزايدة. وقد يؤكِّد ليوناردو «ماريا دِل فيكْيو» استقلاليته وحسن نواياه، غير أنه ما دامت الصحافة ساحة مفتوحة لاستحواذ العائلات الكبرى، فإنَّ كل وعود التجديد ستبقى أقرب إلى إعادة إنتاج قصة مألوفة، بصياغة مختلفة.
