وتَصدَّر الخبر عناوين الصُّحف الكبرى في إيطاليا وعدد من الدول الأوروبية، حيث وصفت الحادثة بعناوين درامية من قبيل: "رعبُُ معادٍ للسَّامية في الولايات المتحدة" (كورييري ديلَّا سيرا)، "قتلُ اليهود لأنَّهم يهود" (إل فوليو)، و"الإرهاب المعادي للسامية" (فانبيدج)، "فتيل الكراهية" (أڤِّينيري). وتمحورت التغطيات بشكل واسع حول البُعد الديني والعرقي للضحيتين، مع التركيز على ما وُصف بأنَّه تصاعد غير مسبوق في موجة "معاداة السامية" في الغرب.
خلط متعمَّد بين معاداة السَّامية ومعاداة الصهيونية؟
غير أنَّ أصواتًا نقدية متعدِّدة حذَّرت من خطاب إعلامي يُغذي الخلط بين معاداة السامية ومعارضة السياسات الإسرائيلية، متهمةً هذه المنصَّات بتبنِّي إستراتيجيات هندسة اجتماعية لتحوير النِّقاش العام. وبين هذه الأساليب، وفقًا للتحليلات، إثارة العاطفة والصَّدمة، واللَّعب على وتر التعاطف الإنساني، والتركيز على "قصص الحب والأمل" المرتبطة بالضحايا، وتقديم الجريمة بوصفها انعكاسًا لخطر داهم يُهدِّد "اليهود في كل مكان"، مع تهميش كامل للسياق السياسي.
الحدث يُستثمر سياسيًا لتبرير ممارسات إسرائيل؟
ووفقًا لما ورد في تقرير لعدد من الكُتَّاب، بينهم «فلاما نيرنشتاين» و«كلاوديو فيلاردي»، فإنَّ الحادثة يتم توظيفها لإعادة رسم صورة إسرائيل كضحية دائمة، وذلك لصرف الأنظار عن الانتقادات الدَّولية المتزايدة ضدَّ عمليات الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة. وتُتَّهم التَّغطية الإعلامية الغربية بـ"شيطنة" كل من يجرؤ على نقد "تل أبيب"، من خلال إلصاق تهمة "معاداة السامية" به، حتَّى وإن كان النقد موجهًا إلى سياسات الحكومة الإسرائيلية، لا إلى الهوية اليهودية.
حملة منظَّمة لشيطنة الخصوم السياسيين؟
واستعرض التقرير مقالات نشرتها منصات مثل "ريپوببليكا" و"لينكييستا" و"إينفورميستا"، التي قدَّمت الهجوم بوصفه نتيجة مباشرة لـ"كراهية غير عقلانية ضدَّ اليهود"، من دون إشارة كافية إلى الدوافع السياسية أو الأيديولوجية للمُنَفِّذ. وجرى استخدام تعبيرات مثل "بذور الكراهية" و"عمل منحرف" و"موجة تقليد تُهدِّد أوروبا"، في محاولة – كما يرى النقاد – لتأطير الحدث ضمن سردية شاملة عن اضطهاد اليهود، مع تجاهل الجرائم المنسوبة إلى إسرائيل في غزة.
وتحدَّث بعضُ المُحلِّلين، مثل «سيردجو دِلَّا بيرغولا»، عن أنَّ "من ينتقد إسرائيل هو معادٍ لليهود"، حتَّى مع الاعتراف بسوء إدارة حكومة «بنيامين نتنياهو» للحرب في غزة. ويرى مراقبون أنَّ هذا المنطق يشكل مغالطة منطقية، تسعى إلى نزع الشرعية عن أي خطاب معارض عبر وصمه بالعداء العرقي.
التَّضحية بالتَّحليل السياسي لصالح السَّرد العاطفي
وتأتي الانتقادات في سياق أوسع من الجدل حول دور الإعلام في الصراعات الدولية، حيث أشار تقرير "Rيعهتس Rيپورتير" إلى أن التركيز العاطفي على الضحايا الإسرائيليين يتم على حساب إخفاء ضحايا النزاع في غزة، والذين تُوثِّق منظَّمات حقوقية ووكالات أممية مقتل الآلاف منهم خلال الأشهر الماضية.
خلاصة المشهد: انزلاق نحو تسطيح القضية
وفي قراءة ختامية، حذَّرت تحليلات إعلامية من أن الخطاب المتداول يختزل حدثًا سياسيًا معقَّدًا في إطار ديني وعرقي، مما يؤدِّي إلى تشويه الحقيقة وتحويل أي موقف نقدي إلى تهديد وجودي لليهود، وهو ما يساهم في تأجيج الاستقطاب، وتكميم الأصوات المعارضة، وتبرير القمع العسكري تحت غطاء "الحرب على الكراهية".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق