وبينما تراجعت بعض الجرائم مثل التهريب والاحتيال الإلكتروني، سُجّل ارتفاع مقلق في حوادث السرقة والسطو والعنف الجنسي. ويبرز بشكل خاص الازدياد الحاد في تورّط القاصرين، الذي ارتفع بنسبة %16 خلال عام واحد فقط.
وتتطور هذه المؤشرات في إطار تشريعي يواصل منذ عقود توسيع نطاق التجريم وتعزيز الأدوات الردعية، ما يكشف محدودية المقاربة العقابية البحتة في معالجة ظواهر اجتماعية معقدة.
إحصاءات قاعدة البيانات المشتركة التابعة لإدارة الأمن العام تكشف أنّ السرقات تمثّل %44 من إجمالي الجرائم المسجّلة، مسجّلة ارتفاعا بنسبة %3 مقارنة بعام 2023. ويبرز ضمنها ارتفاع ملحوظ في سرقات المنازل (%4.9+)، والسطو المسلّح (%1.8+)، والاعتداءات الجنسية التي شهدت زيادة حادّة بلغت %7.5.
المدن الكبرى تبدو بمثابة بؤر مكثّفة للظواهر الإجرامية؛ إذ تستحوذ ميلانو وفلورنسا وروما وحدها على %23.5 من الجرائم الموثّقة في البلاد. أما المؤشر الأكثر دلالة فيتعلق بمشاركة القاصرين: فواحد من كل أربعة موقوفين بتهمة السطو هو شاب تحت سن 18 عاما، مع زيادة في الإشعارات الخاصة بهم بلغت %30 مقارنة بعام 2019.
وتشير هذه المعطيات إلى إخفاق نهج يُعلي من الردع والقمع على حساب سياسات الوقاية. فالمسار التشريعي خلال الأعوام الأخيرة يتجه بصورة واضحة نحو تجريم الفقر والتهميش والظواهر الاجتماعية المرتبطة بالهشاشة، إضافة إلى تشديد القيود على المعارضة السياسية، في مقابل نهج متساهل تجاه المؤسسات وأجهزة الدولة المخوّلة باستخدام القوة لقمع الاحتجاجات.
ويبرز هذا التناقض بوضوح عند مقارنة التطوّر القانوني ببيانات الجريمة: فكلما زادت أنواع الجرائم المُستَحدثة وتشدّدت العقوبات، وبدلاً من أن تتراجع الجرائم الصغيرة، فإنها تواصل الارتفاع.
على مدى العشرين عاماً الماضية، تراكمت في إيطاليا منظومة واسعة من القوانين والإجراءات ذات الطابع الأمني، بدءاً من مرسوم بيسانو لعام 2005، مروراً بإعادة صياغة المادة 270 من قانون العقوبات، وصولاً إلى ما يُعرف بـ«مراسيم الأمن» التي أقرّها ماتيو سالفيني (المرسومان 113/2018 و53/2019)، والتي شدّدت العقوبات ووسّعت أدوات القمع، واضعة قضايا الهجرة والاحتجاجات في الإطار الأمني نفسه.
وفي هذا السياق، شهدت البلاد توسعاً ملحوظاً في تطبيق نظام «منع دخول الفعاليات الرياضية» (DASPO)، الذي وُلد أساساً لضبط عنف الملاعب؛ إذ جرى تحويله إلى أدوات متعددة — مثل «منع دخول الفعاليات الرياضية» موجّه للمجموعات المشاركة في سلوكيات تُعتبر خطرة، و «للحدّ من حضور أشخاص معيّنين في مناطق حساسة داخل المدن»، وأخيراً «منع دخول محطات وشبكات السكك الحديدية» الخاص بشبكات السكك الحديدية — ما جعله وسيلة رقابية تتجاوز نطاقها الأصلي لتصبح أداة أكثر اتساعاً للضبط الاجتماعي.
الحكومة الحالية برئاسة «جورجا ميلوني» دفعت هذا الاتجاه خطوة إضافية إلى الأمام. فخطاب «الصفر تسامح» أسفر عن استحداث جرائم جديدة، بينها جريمة «اقتحام الأراضي أو المباني بما يشكل خطرا على الصحة أو السلامة العامة» (المادة 633 مكرّر من قانون العقوبات) المضمّنة في ما عُرف بـ«مرسوم الرايف»، الذي ينص على عقوبات بالسجن من ثلاث إلى ست سنوات بحق منظّمي التجمعات غير المصرّح بها.
ويبرز النهج المتشدد بأوضح صوره في ما يتعلق بالقاصرين. فــ«مرسوم كايفانو» (القانون 159/2023) وسّع بصورة كبيرة الأدوات العقابية، من خلال خفض سن تطبيق DASPO ليشمل من تجاوزوا الرابعة عشرة، وتعزيز صلاحيات التوقيف في حال التلبس، ما يعكس تحوّلاً لافتاً في فلسفة التعامل مع الأحداث.
وفي يونيو الماضي، أُقرّ «مرسوم الأمن» الجديد، الذي أدخل فعلياً 14 جريمة مستحدثة، من بينها «الاستيلاء غير المشروع على عقار مخصّص لسكن الغير»، وعرقلة الطرق، والتمرد داخل السجون ومراكز الاحتجاز الإداري (CPR)، وهي جرائم يمكن أن تُطبق حتى في حالات الاحتجاج السلمي. كما شدّد المرسوم العقوبات على تسعة جرائم أخرى كانت موجودة مسبقا.
لكن الإجراءات لم تتوقف عند هذا الحد. ففي الأيام الأخيرة، أعادت رابطة الشمال طرح ملف «الأمن الشامل» من خلال حزمة جديدة تضم أربعة عشر مقترحاً عُرضت أمام مجلس النواب. ومن بين أكثر البنود إثارة للجدل، تبرز الضمانة المالية المسبقة التي تُفرض على منظّمي التظاهرات، في خطوة تُعدّ عقبة غير مباشرة أمام ممارسة الحق في الاحتجاج.
وتتضمن الحزمة أيضاً تدابير متشددة على صعيد الهجرة، مثل تقييد لمّ الشمل العائلي واعتماد نظام «تصريح الإقامة بالنقاط». كما تشمل تعزيزات في مجال الأمن العام، من خلال تشديد العقوبات وتسريع إجراءات الإخلاء، بحيث تُطبّق على جميع أنواع العقارات، لا على المساكن الأساسية فحسب.
ورغم هذا الزخم التشريعي ذي الطابع القمعي، فإن السنوات الأخيرة لم تشهد تعزيزاً موازياً للقدرات الوقائية، في ظل غياب استثمارات هيكلية في السياسات الاجتماعية والبرامج التعليمية ومبادرات إدماج الشباب. كما تفتقر البلاد إلى قواعد واضحة للشفافية وآليات رقابة صارمة على استخدام القوة من قِبل أجهزة الأمن، إذ تُعدّ إيطاليا واحدة من الدول القليلة التي لا تزال، مثلاً، من دون أرقام تعريفية على خوذ عناصر الشرطة.
والنتيجة تبدو مفارِقة: منظومة قانونية آخذة في التشدد تستهدف في الغالب مظاهر الأزمة — مثل شغل العقارات بشكل غير قانوني، والاحتجاجات، والجرائم الصغيرة في الشوارع — من دون معالجة جذور المشكلة المتمثلة في الفقر والتهميش ونقص الخدمات الأساسية على المستوى المحلي.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق