وقد بدا موقف الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» منسجمًا تمامًا مع رؤية «البيت الأبيض»، إذ اعتبر أن «الخطة يمكن أن تشكّل أساسا لإنهاء النزاع». فالمفاوضات أُجريت بين الوفدين الأميركي والروسي، فيما استُبعدت منها أوكرانيا والاتحاد الأوروبي. ولهذا توجهت حكومة «زيلينسكي» إلى بروكسل لبلورة رد مضاد على مبادرة السلام الأميركية.
وفي الأثناء، أصدر «ترامب» إنذارًا نهائيًا لكييف: قبول الخطة بحلول الخميس 27 نوفمبر، أو الاستعداد لخسارة الدعم الأميركي، بما يشمل الأسلحة والمعلومات الاستخباراتية. ومن موسكو، شدّد «بوتين» قائلاً: “سنسيطر على مزيد من الأراضي إذا رفضت أوكرانيا.”
الخلاف بين «ترامب» و «زيلينسكي» ليس جديدًا، وقد ظهر جليًا خلال لقائهما في مطلع العام في البيت الأبيض، والذي انتهى بإحراج علني للرئيس الأوكراني من قبل نظيره الأميركي. ففي تلك المناسبة، قال «ترامب» لِـ «زيلينسكي»: “ليس لديك أوراق الفوز”، وهي عبارة أعاد التذكير بها أمس خلال تصريحاته في المكتب البيضاوي. وأضاف: “في مرحلة ما سيضطرُّ [زيلينسكي] إلى قبول شيء ما”، في إشارة إلى الخطة التي صاغتها إدارته، ولا سيما المبعوث الخاص «ستيف ويتكوف» ووزير الخارجية «ماركو روبيو» ، اللذين دخلا في محادثات مباشِرة مع الوفد الروسي برئاسة «كيريل ديميترييف».
من جانبه، كتب نائب الرئيس الأميركي «جي دي فانس» أنّ “أي خطة سلام يجب أن تُوقِّف القتل مع الحفاظ على سيادة أوكرانيا، وأن تكون مقبولة لكلّ من روسيا وأوكرانيا، وأن تُعظِّم فرص عدم تجدُّد الحرب.” واعتبر «فانس» أنّ الاعتقاد بإمكانية انتصار أوكرانيا إذا قَدَّمت «واشنطن» مزيدًا من الأموال والأسلحة أو شَدَّدت العقوبات على موسكو «تصورٌ خيالي».
تُظهر المسودَّة المتداولة حاليًا — والتي نُشرت أمس في صحيفة «ليندبندنتي» الإيطالية — خطةً مؤلفة من 28 بندا تتضمن، بين أمور أخرى، اتِّفاقًا لعدم الاعتداء بين روسيا وأوكرانيا وأوروبا؛ ووقف أي توسُّع إضافي لحلف «الناتو»؛ واعتماد حياد دستوري لأوكرانيا وتقليص قواتها المسلَّحة إلى 600 ألف جندي؛ وخطة شاملة لإعادة إعمار البلاد؛ إضافة إلى الاعتراف بشبه جزيرة «القرم» و «لوغانسك» و «دونيتسك» كـ«مناطق روسية».
وقد باغت تحرُّك إدارة «ترامب» الرئيس الأوكراني «فولوديمير زيلينسكي»، الذي يُفضِّل في الوقت الحالي كسب مزيد من الوقت من دون إغلاق الباب نهائيًا أمام الخطَّة، وكذلك باغت الحلفاء الأوروبيين. فبعد أن حَمَّل هؤلاء عبء الدعم الاقتصادي لأوكرانيا — بينما كسبت «واشنطن» أرباحًا من صفقات السلاح المموَّلة أوروبيًا والمُرسلة إلى كييف — ها هو «ترامب» يستبعد الاتحاد الأوروبي بالكامل من طاولة المفاوضات.
ويبدو أن منطق «المكسب» يمتد أيضا إلى خطة السلام نفسها؛ إذ ينصُّ البند رقم 14 على منح الولايات المتحدة نصف الأرباح المتصلة بإعادة إعمار أوكرانيا.
تقود التحالف الأوروبي المسمّى “ائتلاف الراغبين” تحرُّكات لإعداد ردّ مضاد على المبادرة الأميركية. فبعدما أجرى الرئيس الأوكراني «فولوديمير زيلينسكي» اتصالًا أمس مع نائب الرئيس الأميركي «جي دي فانس»، عقد وزير الخارجية الأوكراني «أندريي سيبيها» مكالمة مشتركة مع وزراء خارجية فرنسا والمملكة المتحدة وبولندا وفنلندا، ومع مفوّضة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي «كايا كالاس»، التي صرَّحت خلال الساعات الماضية بأن «أي خطَّة لإنهاء الحرب يجب أن تشمل أوكرانيا وأوروبا».
وعقب اللِّقاء الذي شارك فيه أيضًا ممثِّلون عن إيطاليا وألمانيا، قال «سيبيها»: “ناقشنا بالتفصيل عناصر مقترَحات السلام المقدَّمة من الولايات المتحدة، وعملنا المشترك لفتح مسار قابل للتطبيق نحو سلام عادل.”
وفي وقت مبكر من صباح اليوم، وعلى هامش قمَّة العشرين في «جوهانسبرغ»، دعا رئيس المجلس الأوروبي «أنطونيو كوستا» القادة “المتوافقين” الحاضرين إلى اجتماع مخصص لملف أوكرانيا. ومن المتوقَّع أن يُعقَد خلال الأيام المقبلة، على هامش قمَّة الاتحاد الأوروبي–الاتحاد الأفريقي، لقاءٌ يضمُّ قادة الدول الـ27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق