وكانت المحكمة قد أصدرت في وقت سابق مذكِّرة توقيف بحق قيادي في «حماس» هو «إبراهيم المصري»، لكنَّها سحبتها لاحقًا عقب ورود معلومات موثوقة عن مقتله. وفي أعقاب مذكِّرتي التوقيف بحق «نتنياهو» و «غالانت»، فرض الرئيس الأميركي «دونالد ترامب» عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية، شملت تجميد أصول وموارد لمسؤولين فيها، ما صعَّب من عملها وأدَّى إلى تعليق بعض الشركات خدمات أساسية كانت تُقدِّمها للمحكمة.
ويُعد قرار محكمة «لاهاي» الصادر الاثنين محطَّة بالغة الأهمية على المستويين القانوني والدبلوماسي، مع ما قد يترتَّب عليه من تداعيات على علاقات إسرائيل بالدول الأطراف في نظام روما الأساسي وبالمجتمع الدولي. وأكدت المحكمة على أنَّ التحقيق يظلُّ قائمًا ويشمل أيضًا الوقائع اللّاحقة لاندلاع النزاع، ولا يمكن وقفه استنادًا إلى الحجج التي قدًّمتها الإدارة الإسرائيلية. كما شدَّد القضاة على أحقِّية الادِّعاء العام في مواصلة عمله التحقيقي، رغم عدم اعتراف إسرائيل باختصاص المحكمة.
وتستند مذكِّرتا التوقيف إلى الاشتباه في أنَّ بعض القرارات العسكرية والسياسية كان لها أثر مباشر على السكَّان المدنيين في «قطاع غزة»، ولا سيما في ما يتعلق بإتاحة الوصول إلى السلع الأساسية وإدارة العمليات العسكرية. وبحسب السُّلطات الصحية المحلية، يبلغ عدد القتلى الفلسطينيين ما لا يقل عن 67 ألفا، في حين يُقدِّر معهد «ماكس بلانك» للبحوث الديموغرافية حصيلة الضحايا بما قد يصل إلى 110 آلاف. وأوضحت المحكمة أيضًا أن مبدأ التكاملية، الذي تستند إليه إسرائيل، لا يكفي لتبرير التعليق التلقائي للتحقيق في غياب إجراءات وطنية مكافئة وقابلة للتحقُّق.
وسارعت إسرائيل إلى الرد رسميًا على القرار. ففي بيان نُشر على منصة «إكس»، رفضت وزارة الخارجية الإسرائيلية الإطار القانوني الذي اعتمدته المحكمة، معتبرةً أنَّ «إسرائيل ترفض قرار الدائرة الاستئنافية للمحكمة الجنائية الدولية، الصادر بأغلبية ضئيلة، والذي يحرمها من حق الحصول على إشعار مسبق وفقًا لمبدأ التكاملية، ولا سيما لدولة ديمقراطية تتمتَّع بنظام قضائي مستقل وقوي». واتَّهمت الحكومة الإسرائيلية المحكمة بـ«تسييس القضاء» وبـ«عدم احترام الحقوق السيادية للدول غير الأعضاء»، ووصفت الحكم بأنَّه يخلط، في نظرها، بين السياسة والقانون الدولي. كما رفضت الاتِّهامات بارتكاب جرائم حرب، مؤكِّدة ما تعتبره شرعية عملياتها العسكرية ضدَّ «حماس».
Israel rejects the ICC Appeals Chamber’s decision, by a narrow majority, to deny Israel’s right to receive advance notice, as demanded by the principle of complementarity particularly with regard to a democratic state with an independent and robust judicial system.
— Israel Foreign Ministry (@IsraelMFA) December 15, 2025
This is yet…
وفي السياق الأوسع للعلاقات الدولية، تمثل تأكيد المحكمة الجنائية الدولية منعطفًا قد يكون ذا طابع تاريخي. فهو يضع النظام الدولي، الذي طالما عجز عن فرض المساءلة عن أخطر الانتهاكات، أمام اختبار مباشر بين متطلَّبات العدالة الدولية ومفهوم سيادة الدول. وبينما يتواصل النزاع الإسرائيلي–الفلسطيني بما يحمله من آثار مدمِّرة على سكَّان «قطاع غزة»، فإنَّ تثبيت مذكرة التوقيف بحق «نتنياهو» و «غالانت» يفتح مرحلة جديدة من الجدل حول دور المحاكم الدولية في ملاحقة جرائم الحرب، حتّى عندما تطال قادة نافذين ودولاً محصّنة وشبكة معقَّدة من التحالفات.
