وخلال الأسبوع الماضي، تناولت وسائل الإعلام حديثًا عن خطة جديدة من 28 بندًا لإنهاء الحرب، تفاوضت عليها الولايات المتحدة وروسيا، وجاءت منحازة بشكل واضح لمصلحة موسكو. وقد فوجئ الاتحاد الأوروبي بتسرّب الخبر. وعلى الرغم من اتفاق واسع على أن كثيرًا من بنود الخطة غير مقبول بالنسبة لأوكرانيا، فقد تجنّب معظم القادة الأوروبيين توجيه انتقادات علنية لها، خشية إثارة رد فعل سلبي من «ترامب».
وسعيًا لعدم استبعادهم تمامًا من مسار التفاوض، سارع عدد من القادة الأوروبيين إلى الإشادة بالمبادرة الأميركية، أَمَلًا في استمالة «ترامب» والحصول على فرصة للمشاركة في المناقشات وتعديل بعض المقترحات الأكثر إشكالية، مثل التنازل عن مساحات واسعة من الأراضي الأوكرانية لروسيا، أو تقليص حجم الجيش الأوكراني.
وأشادت رئيسة المفوضية الأوروبية «أورسولا فون دير لاين» بالجهد الأميركي، قائلةً إنَّ الخُطَّة المؤَلَّفة من 28 بندًا تتضمَّن عناصر أساسية لتحقيق «سلام عادل ودائم». لكنَّها أوضحت في الوقت نفسه أنَّ الخُطَّة مجرَّد نقطة انطلاق، وأنَّ الاتحاد الأوروبي مستعد للعمل على تعديل بنودها الأكثر إثارة للجدل، بما في ذلك تلك المتعلِّقة بتخصيص أراضٍ لروسيا أو تقييد القدرات العسكرية الأوكرانية.
We welcome the continued US efforts to bring peace to Ukraine.
The initial draft of the 28-point plan includes important elements that will be essential for a just and lasting peace.
We believe therefore that the draft is a basis which will require additional work.
We are… pic.twitter.com/PM5LHn7xXX
وقد أسفرت هذه المقاربة عن نتائج متباينة. فمن جهة ظل تأثير الدول الأوروبية في المفاوضات محدودًا. فقد قَدَّم مُمثِّلو المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا، يوم الأحد، مقترحًا مضادًا لخطة «ترامب»، عالجوا فيه، بندًا تلو الأخر، النقاط الأكثر إشكالًا بالنسبة لأوكرانيا؛ فاقترحوا مثلًا رفع حجم الجيش الأوكراني في زمن السلم إلى 800 ألف جندي بدلًا من 600 ألف المقترحة أميركيًا، والسماح بانضمام أوكرانيا مستقبلًا إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو). ولم تُعلِّق الإدارة الأميركية على تلك المبادرة؛ إذ قال وزير الخارجية «ماركو روبيو» إنه «لا علم له بها».
وفي الوقت ذاته، شارك مسؤولون بارزون من الاتحاد الأوروبي ومن المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا في المفاوضات التي جرت الأحد في جنيف بين الولايات المتحدة وأوكرانيا. وأسفر الاجتماع عن إعادة صياغة الخطة الأصلية، التي تقلّصت من 28 بندًا إلى 19 بندًا، وأصبحت أقل ميلًا لصالح روسيا. لكن تفاصيلها لم تُكشَف بعد، ولا يزال من المبكر تحديد ماهية التعديلات، ومدى توافقها مع مطالب أوكرانيا والدول الأوروبية الرئيسية.
السَّبب الرئيسي وراء تقلُّص مساحة الدور الأوروبي في المحادثات الرامية لإنهاء الحرب في أوكرانيا يعود إلى الانقسامات الداخلية بين الدول الأوروبية. فحتَّى الآن لا توجد رؤية مشتركة حول ما يُعرَف بـ"ضمانات الأمن"، أي الآليات التي تضمن عدم قدرة روسيا على مهاجمة أوكرانيا مجددًا بعد انتهاء الحرب، وضمان قدرة كييف على الدفاع عن نفسها إذا تكرَّر ذلك مستقبلًا.
بعض الحكومات، مثل فرنسا وبريطانيا، سبق أن أعلنت استعدادها لإرسال قوات لحفظ السلام في أوكرانيا. في المقابل، تتبنَّى دول أخرى مواقف أقرب إلى روسيا، مثل المجر وسلوفاكيا، فيما تتجنَّب دول أخرى — بينها إيطاليا — اتخاذ مواقف واضحة أو الانخراط في التزامات صريحة.
ورغم أنَّ الدول الأوروبية تُعدُّ من أبرز داعمي أوكرانيا، فإن ترددها في تقديم ضمانات أمنية يقلص بشكل كبير من قدرتها التفاوضية. ولهذا، لا تستطيع أوكرانيا في الوقت الراهن الاستغناء عن الدَّعم الأميركي، سواء على المستوى الدبلوماسي أو العسكري، رغم أن الرئيس «دونالد ترامب» أظهر في مناسبات عدَّة استعدادًا لتقديم تنازلات كبيرة لروسيا بهدف تسريع إنهاء الحرب.
وتستمرُّ المفاوضات خلال الأيام المقبلة، بعد أن كانت الولايات المتحدة قد طلبت من الحكومة الأوكرانية الرد على الخطة المكوَّنة من 28 بندًا قبل الخميس 27 نوفمبر، قبل أن يحدث تمديد المهلة لاحقًا. وفي الأثناء، أعلنت روسيا رفضها الصيغة الجديدة من الخطة التي تقلَّصت إلى 19 بندًا، ومن المستبعَد — ما لم تحدث تطورات كبرى — أن يتخلَّى الرئيس «فلاديمير بوتين» عن موقفه الرافض لأي مقترحات تتوافق مع مصالح أوكرانيا والدول الأوروبية.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق